فلسطين أون لاين

تقرير فارس منصور بين ألم الإصابة ومعاناة المخيم

...
غزة/ هدى الدلو:

في مخيم البريج، يقبع فارس أيمن منصور، الشاب البالغ من العمر 24 عامًا، على سرير خيمته الصغيرة، محاطًا بصمتٍ يكاد يخنق أي بارقة أمل. قبل عامٍ وأكثر، كان يعيش حياةً طبيعية؛ يدرس ويخطط لمستقبله، قبل أن تنقلب حياته رأسًا على عقب في لحظةٍ واحدة.

نزح فارس من منزله بعد قصفه، ليجد مأوى مؤقتًا في غرفةٍ صغيرة داخل العيادة الخاصة بالمخيم. وفي السادس من سبتمبر/أيلول 2024، طلب منه صديقه المساعدة في ترميم نوافذ وأبواب منزله التي دُمّرت بفعل قصفٍ مجاور. يقول لصحيفة «فلسطين»: «ذهبت لمساندته، ولم أكن أعلم أن هذه اللحظة ستغيّر مجرى حياتي إلى الأبد».

خلال مساعدته لصديقه، تعرّض فارس وثلاثة آخرون للاستهداف، غير أن إصابته كانت الأشد؛ إذ أُصيب مباشرة في ظهره، وتعرّض لكسرٍ في الفقرة التاسعة مع تهتّك في النخاع الشوكي، ما أفقده الحركة بالكامل.

وتضيف والدته: "جرى تركيب صفائح معدنية للفقرة المكسورة مع الثامنة والعاشرة، لكنه استيقظ ليجد نفسه عاجزًا عن المشي، مصدومًا بحقيقة أن الإصابة ستترك أثرها مدى الحياة".

وتصف لحظة استيقاظه قائلة: "عندما فتح عينيه لم يستوعب ما حدث… بدأ يبكي بلا توقف، ولم أستطع احتواءه إلا بدموعنا معًا".

بعد ستة أشهرٍ أمضاها في المستشفى، خرج فارس ليواجه واقعًا بالغ القسوة، ثم انتقل إلى خيمة نزوح داخل المخيم، حيث يواجه تحدياتٍ يومية شاقة. فحركة الكرسي المتحرك شديدة الصعوبة بسبب اختلاط الرمال بمياه الأمطار في فصل الشتاء، كما أن التنقل إلى الحمّام يمثل معركةً مستمرة، إذ يعتمد كليًا على أسرته بسبب التيبّس في أطرافه السفلية.

وتتابع والدته: «كل شيء أصبح صعبًا عليه؛ الذهاب إلى الحمّام، الاستحمام، وحتى تحريك قدميه يحتاج إلى مساعدتنا. نحاول أن نكون سندًا له، لكن الألم كبير على الأسرة كلها».

حرمت الإصابة فارس من حياته الطبيعية، وسبق أن حُرم من استكمال تعليمه بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فيما يزيد غياب المراكز التأهيلية والأجهزة المتخصصة داخل المخيم من معاناته.

وتشير والدته إلى أنه يعتمد حاليًا على زياراتٍ دورية لاختصاصي علاج طبيعي على نفقة العائلة، بينما يأمل في فرصةٍ للسفر لتلقّي علاجٍ متكامل قد يمنحه قدرًا من الاستقلالية.

يقول فارس بصوتٍ يختنق بالألم: «أشعر أن حياتي توقفت. كل يومٍ أصبح تحديًا… أريد فقط أن أتحرّك وحدي، أن أستحمّ، أن أعيش حياةً طبيعية».

ويختم فارس حديثه بالقول إن الحرب ثمنها باهظ يدفعه الفلسطينيون من شبابهم وحياتهم، إذ يعيشون بين فقدان الحركة، وصعوبة تأمين متطلبات الحياة اليومية، ومعاناة العيش في بيئةٍ غير صالحة، بين خيمة نزوح ومستشفى منزلي. ورغم ذلك، يظل فارس صامدًا، متشبثًا بأملٍ واحد: أن يأتي اليوم الذي يُتاح له فيه العلاج، ويستعيد جزءًا من حركته واستقلاليته، ولو بعد كل هذا الألم.

المصدر / فلسطين أون لاين