رغم توفر عوامل عديدة لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، خاصة بعد إعلان صفقة القرن، لكن الإسرائيليين، لا سيما الأوساط الأمنية والعسكرية، تظهر رغبة حثيثة في التعرف على أسباب عدم ترجمة رفض الفلسطينيين للصفقة إلى سلوك ميداني على شكل انتفاضة شعبية عارمة، صحيح أن هناك بعض الأحداث الميدانية شهدتها الأراضي الفلسطينية، لكنها ليست على القدر ذاته من التطورات الكبيرة.
لم يشاهد الإسرائيليون بعد تحقق الكابوس الذي يخيفهم، ويتمثل في خروج الفلسطينيين إلى الشوارع بأعداد غفيرة، وانقضاضهم على الحواجز العسكرية الإسرائيلية المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية، مما يشير إلى أن اندلاع الانتفاضة القادمة يستند لجملة من المركبات والعوامل المتداخلة، أحدها كفيل بإحداث خلل في توازن الأحداث، مع توفر عدة عوامل تحول دون اندلاعها.
لعل العامل الأهم في الحيلولة دون اندلاع انتفاضة فلسطينية عارمة، التواجد المكثف للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، فهذا التواجد مرتبط بتوفير المعلومات الأمنية والاستخبارية، التي تسفر عن إحباط هجمات فلسطينية يتم التحضير لها، وكل ذلك يثبت جدواه في استمرار الهدوء الميداني لصالح المستوطنين.
العامل المرتبط بسابقه يتعلق بالتنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ما يوفر بنية تحتية من المعلومات الأمنية التي تحبط الجهود الساعية لإطلاق الانتفاضة، فلديهما مصلحة مشتركة لمنع حماس من تحقيق تطلعاتها العسكرية، ورفع رأسها بالضفة، وإحباط تنفيذ هجمات مسلحة، فالأمن الفلسطيني يعتقل العشرات والمئات من مسلحي حماس، وكل معلومة أمنية توفرها لإسرائيل تحبط العمليات والقنابل الموقوتة.
يبدو صعبا تجاهل عامل استمرار الانقسام الفلسطيني، الذي يعيق إطلاق كل تحرك جماهيري في الضفة الغربية، وتنظيم مواجهات ميدانية، وهذا الانقسام يخدم إسرائيل على الصعيدين السياسي والأمني، حيث يعرقل تشكيل المزيد من الأذرع العسكرية في الضفة الغربية، ويحول دون خروج مظاهرات شعبية وجماهيرية، ما يزيد من اللغة المشتركة بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، لمنع تنفيذ المزيد من العمليات، وكل ذلك من شأنه عدم توفير أرضية مناسبة لإطلاق انتفاضة ثالثة، على الأقل وفق النمط التقليدي.
دأب الإسرائيليون في الآونة الأخيرة على ترديد أسطوانة مشروخة تتحدث عن دور العامل الاقتصادي في إحباط إطلاق انتفاضة ثالثة، بزعم أن الفلسطينيين يذهبون للعمل في إسرائيل، وهناك حركة نشطة في الأسواق، مما يجعل أي فلسطيني ينوي تنفيذ عملية مسلحة بالتفكير مرة ومرات، لأنها قد تعرض حياته للخطر، ومع ذلك فقد عشنا هذه الأوضاع الاقتصادية قبيل الانتفاضتين السابقتين، ولم تجد نفعا!
قبل تلك العوامل وبعدها، يركز الإسرائيليون في سرد أسباب عدم اندلاع انتفاضة ثالثة على عامل فقدان ثقة الفلسطينيين بقيادتهم السياسية، خاصة توجهات الرئيس أبو مازن الذي لا يؤمن بالعمل المسلح، ويرفض "توظيف" المقاومة المسلحة لتحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية!