فلسطين أون لاين

قاتلوا الشيطان بنبذ العداوة

...
غزة/ أسماء صرصور:

أراد الله للبشرية أن تعيش بأمن وأمان، وسعادة وهناء، دون بغضاء وحسد وعداوة، غير أنه منذ وطئت قدما آدم (عليه السلام) الأرض بدأت العداوة مع الشيطان، فقد أقسم أن يضل الناس ضلالًا مبينًا، وبدأ يجلب على الناس بخيله ورجله ويشاركهم في الأموال والأولاد ويعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا.

وعن ذلك يقول المحاضر في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية د. وائل الزرد: "إن الحسد والعداوة والبغضاء والخصومة بدأت منذ زمن قديم، ومن ذلك ما حدث مع ابنيْ آدم، إذ قربا قربانًا، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فما كان منه إلا أن قتل ابن أبيه من أجل زواجٍ كما ورد في بعض الروايات والآثار".

ويتابع الزرد في حديثه لصحيفة "فلسطين": "واستمر مسلسل العداوة والبغضاء بين الناس، حتى وصل إلى أواخر العهد العربي -إن صح التعبير- قبل بعثة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وكان الناس إذ ذاك يتقاتلون على القليل والكثير، وعلى الحقير والصغير".

ويذكر مثالًا في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) عن يوم بُعاث (آخر معركة من معارك الأوس والخزرج بيثرب قبل هجرة الرسول, وقعت قبل الهجرة بخمس سنوات)، التي عدتها أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) هدية من الله (سبحانه وتعالى) إلى الرسول الكريم، إذ قالت (رضي الله عنها): «كان يوم بعاث يومًا قدمه الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم)، وقد افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم، وجرحوا، فقدمه الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم)، في دخولهم في الإسلام».

ويشير الزرد إلى أن العرب قبل الإسلام "كانوا مذأبة يسود فيها القتل والاغتيال، وينزو العزيز فيها على الذليل، ويقتل الكبير فيها الصغير، فكانت تقتل الأرواح وتسرق الأموال وتنتهك الأعراض، من أجل خيل سبقت خيلًا أخرى، أو من أجل كلمة قيلت هنا أو هناك".

غير أن الله (تعالى) لما أراد بالبشرية خيرًا، بعث إليهم نبينا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) –كما يقول-، ومن ذلك قوله (تعالى): "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"، ومنذ ذلك الحين النبي (صلى الله عليه وسلم) بالقرآن الكريم والسنة المطهرة  يأخذ بأيدي الناس وقلوبهم، لتعود الناس أمةً واحدةً كما وصفها الله في أكثر من آية، ومنها: "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً".

ويوضح أنه نزلت الآيات من السماء تترًا تحث الناس على التواد والتعاطف والتراحم، وأداء الواجبات وأداء الحقوق، ومن ذلك قوله (تعالى): "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ"، وقوله (تعالى): "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ"، وقوله (تعالى): "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، وغيرها من الآيات الكثيرة جدًا.

فضلًا عن ميراث نبوي كبير كان يضخه النبي (صلى الله عليه وسلم) -كما يبين الزرد- لتذويب الفوارق بين الناس، ونسيان ما كانوا عليه من جاهلية بغضاء، فتارة كان يقول: "لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى"، و"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

ويلفت إلى أن الصحابة (رضي الله عنهم) من المهاجرين والأنصار ضربوا أمثلة رائعة راقية جميل أن يأتسي بها المسلمون اليوم في إذابة العداوة والبغضاء، خاصة إذا علمنا أن هذه العداوة إنما من الشيطان، كما قال رب العالمين: "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ".

ويقول المحاضر الجامعي: "لو أن كل واحدٍ منا، أدى الواجب الذي عليه، لاختلفت حياتنا إلى الأفضل، لكن -يا للأسف!- كثير من الناس يقصر في الواجبات التي عليه، لذلك سيقصر في حقوقه الآخرون".