في غرفة بسيطة داخل مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، كان محمد أبو عيسى يواصل مهمته الإنسانية التي اختارها منذ بداية الحرب “تكفين الشهداء”.
لم يكن يعلم أن يديه اللتين ودّعتا مئات الضحايا، ستلامسان جسد والدته و4 من شقيقاته، بعدما قضين شهداء في قصف "إسرائيلي" استهدف منزلهن في مدينة دير البلح.
من متطوع إلى ابن مفجوع
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تطوع أبو عيسى في مغسلة الموتى، يسابق الوقت والدموع لتجهيز الشهداء لدفنهم بما يليق بكرامتهم. كان يرى كل شهيد كأخ أو أب أو طفل من عائلته، لكنه لم يتخيل أن تتحقق هذه الفكرة حرفيًا.
“لم يخطر ببالي أنهم سيكونون بين من أكفّنهم”، قال محمد بصوت مثقل للحزن في لقاء مع الجزيرة مباشر، وتابع “فوجئت بإحضار والدتي وشقيقاتي الأربعة بعد أن استشهدن في القصف. شعرت وكأنني أُسقط من السماء… لم أتخيل أن يستهدفوا المنزل، فمن فيه هم نساء وأطفال فقط”.
ألم مضاعف في قلب الحرب
لم تكن فجيعة محمد في والدته وشقيقاته فقط، بل فقد أيضًا عددًا آخر من أفراد عائلته، بينما نُقل البعض إلى العناية المركزة، وبرغم المصاب الجلل، لم يتوقف عن أداء المهمة التي وهبها لنفسه “استقبلتهم وكفّنتهم كما أفعل مع الجميع، وأحمد الله.. فالشهداء في غزة يُزفّون كل يوم بالعشرات والمئات”.
بحسب ما أوضح، ساعد محمد في تكفين آلاف الشهداء منذ بدء العدوان، مؤكدًا أن ما يشهده القطاع “يتجاوز حدود الوصف”، في ظل استمرار المجازر بحق المدنيين، دون تمييز بين طفل أو امرأة أو مسن.
صرخة من قلب الغبار والدم
في ختام حديثه، وجّه محمد أبو عيسى نداء إلى العالم العربي والإسلامي “نحن لا نطلب الكثير، فقط أن تقفوا معنا.. أن تُوقفوا هذه الإبادة بحق شعبنا”.
وفي خلفية هذا المشهد الإنساني الثقيل، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية ارتفاع عدد الشهداء في قطاع غزة إلى أكثر من 51 ألفًا، والإصابات إلى ما يفوق 115 ألفًا، منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.