قرأت عن نظريات القيادة ومدارسها المتنوعة الحديثة منها والقديمة، السلوكية والعلمية، وتكاد تجمع على صفة مشتركة أصيلة في شخصية القائد، وهي قدرته على التأثير في أتباعه ومريديه، ويقاس نجاحه وتميزه القيادي بمدى امتلاكه هذه المهارات وقدرته على توظيفها في إقناع جنده، فهاهُم صحابة الحبيب محمد من الأنصار والمهاجرين قالوا: "والله لو خضت بنا البحر لخضناه معك"، وذبحوا وقصّروا حين ذبح وقصّر دون أن يهمسوا بكلمةٍ واحدة، وهذا نابليون كان جنده يقولون: "كان بإمكان نابليون أن يصطحبنا إلى أي بقعة في العالم دون تذمر أو وجل من أحد"، ثقة وأمان في قدرة القائد على الاختيار، وقمة التأثير في الجند والإقناع.
حقيقة القائد تأثير وإقناع دون تردد أو ارتباك أو خوف، فالتأثير والخوف صفتان متناقضتان لا يمكن أن تتزامنا لدى القائد، فكيف له أن يكون مؤثراً مقنعاً لأتباعه في حين أنه مرتبك خائف، غير قادرٍ على اتخاذ قرار أو حسم موقف؟!، وصدق فولتير حين قال: "أتعس الناس المتردد".
فقيمة القائد تبرز حين يتسرب الخوف إلى قلوب الأتباع، وتظهر معالم قيادته لإعادة حالة الانضباط والانسجام.
القيادة مرتبة عليا ومكانة سامية، تعاني الندرة والتآكل، مهارة حياتية موروثة في نطاق ضيق، مكتسبة في نطاق واسع وفسيح، لكن في مدرسة شعارها الإقناع والتأثير، وطلاب يحملون علمَ "لا خوف بعد اليوم ولا تردد".
القيادة سلوك على أرض الواقع وممارسة عملية مع الأتباع، القيادة أنموذج فريد، وتاج ناصع له رجالاته ومستحقوه، وليس كل رئيس قائدًا، أو من يتولى منصباً بلغ به العلا واتسم بالقيادة.
فمعذرةً يا سادة؛ فهناك مديرون ورؤساء للمكان فقط، ومديرو أفراد ليس إلا، وإن كانوا ناجحين في إدارة ملفاتهم وتنظيمها وتنسيقها، فالقيادة رؤية واسعة وإلهام وفراسة وحسن تدبير حين يعجز الأفراد والأتباع، وقرار حين تتيه العقول، واختيار حين تحار الأدمغة، والأجمل أمان حين يخاف الجميع، فهذا علي (رضي الله عنه) يقول: "كنا نحتمي برسول الله حينما يشتد وطيس المعركة"، هذا وقت الحرب والقتال، وكانوا يستمتعون ويأنسون بصحبته في وقت السلم والأمان، فالقيادة شدة ولين وتوظيف لهما في كل وقت وحين، فالشدة في مقام يحبه الله ورسوله، ولين يُخيم على المكان ورأفة قلب وحب غامر يظلل الإنسان، فهذا أبو بكر الصديق صاحب القلب الرقيق والعين الدامعة، يلبس عباءة الحزم والصرامة ليدافع عن فرض من فروض الله.
فيا أحبتي ليس كل مدير أو رئيس قائدًا، ولست في مقام التقليل من قدرهم، ولكن معظمهم ليسوا قادة ولن يكونوا يوماً ما، فأنزلوا القيادة منزلها ومقامها، ولا تخلطوا الرئاسة بالقيادة، فشتان بين الثرى والثريا.
وأخيراً الرئيس يخاف، والقائد يمنح الأمان.