يعتقد كثيرون أن الحياء خصلة نسوية بحتة، ويخلط الناس بين الخجل والحياء وحقيقة الحاجة إليهما بين الرجال والنساء، دون التمييز بين المعنى والمضمون، بل يفسر السلوك الناتج عنهما بالإيجابي والمحمود والجميل المزين للبنات والسيدات.
لكن شتان بين الخجل والحياء، فالخجل انكسار نفس وغياب شخصية وضياع حق، الخجل انهزام ذات واحمرار وجه بلا جمال وتلبك لسان وانحسار إنسان، يسوقه إلى ضعف وهوان، الخجل حضور لشخصية طفولية خيالية النزعة في لحظة حاجة إلى شخصية رجولية واقعية.
الخجل تغنى به الشعراء والمادحون، دون وعي وإدراك لحقيقة المعنى؛ فأدخلونا في تيه المصطلحات وكواليس الكلمات.
لكن الحياء قوة وانتصار وحضور شخصية واستجلاب حق، الحياء حشمة وصون عرض، الحياء إسلام، وشعبة من إيمان، الحياء نور للرجال وزينة للسيدات، ليحلق الإنسان في عالم الرقي والعظمة والكبرياء.
الحياء في ديننا مكون أساس، بل جزء من إيمان وضرورة حياة مجتمعية أصيلة ورزينة، أرقى مستوياته الحياء من الله، وأدناها الحياء من النفس، مع أنه يبدأ من الداخل من النفس لينطلق إلى عالم السلوكيات والبشر وينظم العلاقة مع رب البشر، مرورًا بالحياء مع الناس ومنهم.
الحياء من الله استحضار وتعظيم للخالق واعتراف أصيل بعظمته، وسلطانه، وتقدير لله بحق، ومن بين طيات العلاقة السوية مع الله وسموها تسمو الذات وتُحترم بين جنبات الإنسان ليحترم الإنسان عقله ويرتقي بقلبه، ويملأه حبًّا لله، ويطور تفكيره ويهذب سلوكه لتخرج من بين شفتيه الكلمات معطرة بروح جميلة ورائحة زكية، لتجد الحياء مع الناس في أبهى صورة وأرقى علاقة.
تلكم منظومة متكاملة، مترابطة، ينفك عقدها وتتساقط أحجارها بسقوط مكون منها، وينعقد عقدها بتماسكها وقوتها.
فاحرص -يا صديقي- أن تتخلص من خجلك واحمرار وجه لا جمال فيه، ولا زينة، وتمسك بحياء لا خجل فيه، ولا تلون وجه، تمسك بحياء يزيدك إشراقًا وبهاءً، لتغدو في صحبة الحيي عثمان الذي تستحيي منه ملائكة الرحمن.
وكوني بنيتي كالعروس في خدرها، حيية ومحتشمة، جمالها ينسدل بين طيات جفن يزيد عينيك ضياءً ورونقًا.
كوني أكثر حياءً في تفاصيل يومك، وكلماتك ناعمات كنسمة عليلة في صباح هادئ تزينه إشراقة شمس ناعسة، فالحياة نقطة تحول وانطلاق نحو رسم خطوط حياة أجمل وعلاقة أوثق، ونفس أرقى.
فكونوا -يا أحبتي- أكثر جمالًا وإشراقًا وبهاءً .