يأتي طفل أو امرأة إلى صاحب سوبر ماركت وبحوزته حاجيات تساوي قيمتها تقريبًا 100 شيقل؛ بغرض بيعها له، فيشتريها صاحب البقالة، لكن ليس بثمنها الحقيقي بل بثمن أقل يتراوح من 10 شواقل إلى 80 شيقلاً بحد أقصى.
وبعرض هذه الحالة على الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله د. زياد مقداد بتفاصيل أسئلة في السياق، لمعرفة الحكم الشرعي في عملية البيع وأصل الحاجيات، يجيب :
يوضح مقداد أن الأصل في عملية البيع والشراء الإباحة، ما دامت العملية قد استوفت شروطها التي ذكرها الفقهاء، وهنا في هذه الصورة -وإن كان في ظاهر الأمر- أن صاحب البقالة اشترى السلعة بثمن معين، إلا أنه لما اكتنفت عملية البيع شبهات تتمثل في مصدر هذه البضاعة، وفي حال هذا البائع أو البائعة، فربما تكون البضاعة مسروقة، وربما يكون البائع غير مدرك لقيمتها، وربما وربما، ومن هنا أقول إنه بالفعل كان الأولى على صاحب البقالة أن يتحرى عن مصدر هذه البضاعة وعن حال صاحبها.
خاصة أنه كما يبدو في السؤال أنه بإمكان صاحب البقالة أن يشتريها بنصف ثمنها أو دون ذلك، وهذا مما يدعو إلى الشك وإثارة الشبهات، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات"، فمن أراد أن يستبرئ لدينه وعرضه فليتقِ الشبهات.
وفي حال كانت هذه الحاجيات شرعية كأن تكون كابونة لا تفي باحتياجات العائلة وتريد المرأة بيعها لشراء مستلزمات أخرى؟ يعلق أنه في هذه الحالة التي تكون صاحبة السلعة محتاجة لبيعها نظرًا لحاجتها للنقود لتشتري بها حاجيات أخرى لأولادها مثلًا، فإنه مما يتوجب على المشتري أيًا كان صاحب بقالة أو غيره أن لا يستغل الموقف، ولا يبخس المرأة بضاعتها، فإن هذا نوع من استغلال وظلم لا يحل في شرع الله، يقول تعالى: "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا"، وفي موضع آخر: "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ".
لذلك إن على مثل هؤلاء التجار –كما يؤكد مقداد- أو أصحاب البقالات بعد أن يتأكدوا من مصدر السلعة، عليهم أن يعدلوا في تقدير ثمنها "فلا يظلِمون ولا يُظلمون"، خاصة إن كان البائع في ضيق وحاجة، فيشتريها بقيمتها المناسبة في السوق كما يشتريها من تجار الجملة، ولا مانع لو اشتراها بأقل بشيء يسير، لكن أن يشتريها بنصف ثمنها أو دون ذلك مستغلا الحاجة والضيق، فهذا هو الاستغلال والظلم الذي تأباه شريعة الرحمة والعدل.
ويشير إلى أنه في حال ما إذا ترجح لصاحب البقالة أن البضاعة مسروقة أو تأكد من ذلك، فعليه أولًا أن يتمنع عن شرائها حتى لا يغري هذا السارق بسرقة أشياء أخرى، ثم ينظر إن كان يترجح له أنه يسرق للمرة الأولى فيتحدث معه ويعظه ويبين له خطورة ذلك، فإن تكرر له ذلك يمكن أن يبلغ أهله أو من يكون لهم عليه سلطان، فإن تكرر بعد ذلك ولم ينزجر أو يمتنع بلغ الجهات الحكومية ليأخذ جزاءه لعله يمتنع بعد ذلك.
ويشدد مقداد على أن من يسرق حاجيات من هنا وهناك، ثم يبيعها لهذا الرجل أو ذاك، فهو بذلك قد ارتكب منكرًا من الفعل وزورًا، ذلك أن فعل السرقة يعد من أخطر الجرائم، حيث تهدد المجتمع والفرد، كما أنها أكل لمال الناس بالباطل، والله عز وجل يقول: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ"، ولذلك لقد حكم رب العزة على السارق بقطع يديه جزاءً نكالًا منه سبحانه، قال عز وجل: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، مما يدل أن السرقة من الجرائم الكبرى والخطيرة.
أما بالنسبة للمشتري للحاجيات المسروقة، -وفق ما يقول- وهو يعلم أنها مسروقة، فهو شريك للسارق في جريمته، فلولا أن السارق يجد من يشتري منه مسروقاته لما سرق، لذلك فإن المشتري للمسروقات يعد مجرمًا وآثمًا ينبغي معاقبته ومحاسبته من قبل المسئولين في الحكومة والمجتمع.
ويختم مقداد بقوله: كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، وعليه فإن كل فرد من أفراد المجتمع هو مسئول في موقعه وبالقدر الذي يستطيع، فمن علم بأن فلانًا يقوم بالسرقة فعليه أن ينصحه ويحاول ردعه، والأهل عليهم أن ينتبهوا لأولادهم، موضحًا أنه على الحكومة متابعة التصرفات والسلوكيات لأبناء المجتمع، وأن تعمل بكل وسعها على منع الانحراف والجريمة، وذلك بتوفير فرص العمل والمساعدات بالقدر الكافي، حتى لا يقع أبناؤنا فريسة الجريمة والرذيلة، وحتى تقي شعبنا من كل شر، وكي يشعر أبناء مجتمعنا بالأمن والأمان.