كلما حطت على رأس الشعب الفلسطيني مصيبة، توجه الناس بأنظارهم الحاقدة إلى قادة "التعاون الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي"، يُحمِّلونهم المسؤولية عن كل نكبة سحقت قضيتهم، وعن كل صعقة شلت مفاصل وحدتهم، ويتساءل الناس في فلسطين: متى سيتوقف هذا التنسيق والتعاون الأمني الذي دمر قضيتنا، وهدد وجودنا؟ متى تلتزم القيادة بقرار المجلس المركزي الصادر في مارس 2015؟ متى تحترم القيادة إرادة الشعب، وتتوقف عن ممارسة هذه الفاحشة السياسية؟ إلى متى ستظل القيادة تهدد بوقف التنسيق والتعاون الأمني دون تنفيذ؟
وحتى يومنا هذا، ترفض قيادة السلطة الفلسطينية استخدام مصطلح التعاون الأمني إطلاقاً، وتخجل منه، وتتحدث عبر وسائل الإعلام عن تنسيق أمني، وجعلته مقدساً، له فضائله في حفظ أمن الفلسطينيين كالإسرائيليين تماماً.
فما هي حقيقة مصطلح التعاون الأمني؟ وهل ما يجري من تواصل ميداني، وتبادل معلومات أمنية بين المخابرات الفلسطينية والمخابرات الإسرائيلية هو تنسيق أمني فقط أم تعاون أمني؟
للتسمية حكاية ترجع إلى المفاوضات التي جرت قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو 2 في طابا بتاريخ 1995، حين عرض المفاوض الإسرائيلي البند 12 من الاتفاقية، المتعلق بترتيبات الأمن والنظام، فقد جاء في الفقرة الثالثة: سيتم تشكيل لجنة تعاون أمني مشتركة، هدفها حفظ الأمن للطرفين، وتسمى من الآن فصاعداً "JSC".
وهنا اعترض الوفد الفلسطيني، وقال: مجرد ذكر لجنة تعاون أمني تجعل منا عملاء لكم، وجواسيس، وشعبنا يتحسس من لفظة تعاون أمني، عدلوا الصيغة، وبدلاً من لجنة تعاون أمني، سنكتب لجنة تنسيق مشتركة!
وهنا رفض الوفد الإسرائيلي المفاوض تعديل اللفظة، وقال: المطلوب منكم وفق الاتفاق هو التعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية.
وبعد نقاش ومداولات، تم التوافق على الصيغة التالية:
سيتم تشكيل لجنة تنسيق وتعاون مشتركة من أجل الأمن المتبادل، ستسمى من الآن فصاعداً "JSC".
ومنذ ذاك التاريخ، يستخدم الفلسطينيون مصطلح التنسيق الأمني، للتهرب من لفظة التعاون الأمني الذي يمارسونه على الأرض، بينما يستخدم الإسرائيليون مصطلح " שיתוף פעולה ביטחוני" التي تعني التعاون الأمني، متجاهلين لفظة التنسيق.
في الساحة الفلسطينية منقسمون على التسمية، أنصار أوسلو يقولون: الذي يجري هو تنسيق أمني، بينما أعداء أوسلو يقولون: الذي يجري هو تعاون أمني، وهنا يجب أن نتوافق نحن الفلسطينيين فيما بيننا على التسمية، كما وردت في اتفاقية أوسلو2، وهي " تنسيق وتعاون أمني" فالاعتراف بهذا المصطلح فيه فضيلة المسعى للتغيير وتصحيح المسار، والاعتراف بالمصطلح وسوأته يعد مقدمة للتعامل مع الواقع دون جميل، وهذه هي الخطوة الأولى لإنهاء الانقسام، الذي شكل التنسيق والتعاون الأمني قاعدته الأساسية التي قام عليها.
نحن الفلسطينيين نطالب بوقف التنسيق والتعاون الأمني الذي ورد في اتفاقية أوسلو2 كشرط للمصالحة الفلسطينية، ونطالب بوقف التنسيق والتعاون الأمني كشرط لمواجهة صفقة القرن، وكشرط لوقف الاستيطان، وكشرط لمواجهة الاحتلال ورفع الظلم الواقع على حياة الفلسطينيين، وكشرط لإلقاء السلام على كل من ينسق ويتعاون أمنياً مع المخابرات الإسرائيلية.
ملحوظة: لا تقولوا التنسيق الأمني وكفى، يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها، ونقول: "التنسيق والتعاون الأمني"، فالاعتراف بالخطيئة شرط لقبول التوبة.