تدعو صفقة القرن طرفي الصراع المباشر إلى المفاوضات، وتدعو الطرف الفلسطيني إلى دراستها وعدم التعجّل برفضها، وتمنحه مدة أربع سنوات للدراسة والقبول، وهي المدة التي ستمنح لترامب في البيت الأبيض إذا ما أعيد انتخابه. فإذا ما فاز الديمقراطيون في الانتخابات التي هي على الأبواب فربما يلقون بصفقة ترامب نتنياهو في سلة المهملات، لا حبًّا بالفلسطينيين، ولا كراهة (بإسرائيل)، ولكن لأنهم يرون أن خطة السلام تكون نتاج طرفين متفاوضين، وليس فرضًا من دولة ثالثة؟!
في ضوء هذه المقدمة هل ستكتفي السلطة والفصائل بمقاومة الصفقة من خلال انتظار سقوط ترامب، وفوز الديمقراطيين، أم أن المراهنة على المتغير الأميركي المحتمل هو إضاعة للوقت، وتنصل من الأعمال الحقيقية الواجبة فلسطينيًّا؟! وهبّ أن ترامب فاز، فماذا أفادنا الانتظار السلبي، والرهان على الانتخابات الأميركية؟!
نحن إذًا في حاجة لخطة فلسطينية، تقوم على المجهود الفلسطيني الذاتي لإفشال الصفقة، وهذا يقتضي أن تلتقي الفصائل والسلطة معًا على خطة إفشال، وبرنامج إفشال للصفقة، وهذا يتطلب نية وطنية حسنة، وإجراءات واقعية، مع مصالحة وشراكة، أو حتى مع تأجيل المصالحة والشراكة.
قد يرى محمود عباس أنه لا يستطيع حلّ السلطة، أو الخروج من أوسلو، كما خرجت منه (إسرائيل)، ولكن يمكنه أن يسكت عن المقاومة في الضفة الغربية، ويمكنه أن يجمد التنسيق الأمني، إن لم يستطع إلغاؤه والخروج منه ومن تبعاته.
ثمة رفض فلسطيني جماعي وكامل للصفقة، ولكنه رفض بدون خطة عمل، وبدون برنامج؟! وإن البقاء في هذه الحال هو وصفة جيدة للفشل، لذا يجب الخروج من حالة الفراغ بغياب الخطة والبرنامج، إلى وضع خطة وبرنامج تلتقي عنده السلطة والفصائل .
ثم إن جامعة الدول العربية لا تمثل بديلا للفلسطينيين، ولا بديلا للخطة والبرنامج الفلسطيني، كما أنّ حال الدول العربية التي حضرت حفل إعلان الصفقة، وتلك التي أيدتها من تحت الطاولة، لا يسمح للفلسطينيين بالاعتماد على الدول العربية لإسقاط الصفقة، وحماية الحقوق الفلسطينية. إن بعض هذه الدول يبيع فلسطين من أجل الحفاظ على بقاء عرشه وإمارته؟!
لا أودّ أن أحكم سريعًا على موقف بعض قيادات السلطة، وهل هو موقف صادق في رفض الصفقة أم هو موقف إعلامي مناور؟ والأيام القادمة ربما تقول غير ما نسمعه الآن، ومن ثمة فإنَّ الحكم على موقف السلطة سيكون من خلال أعمالها. هل ستتخذ السلطة أعمالًا جادة لمقاومة الصفقة وإسقاطها، أم ستقف عند كلمات إعلامية متكررة، مع بحث عن فرصة تسمح بعودتها للمفاوضات. إن عودة السلطة للمفاوضات هو تكذيب لموقفها الرافض، وهو إعلان انتحار لها، وللموقف الفلسطيني. نحن ننتظر أفعال السلطة والفصائل. وشكرًا لكلّ كلمة بليغة شجبت الصفقة، والبلاغة الحقيقية في الفعل، لا في القول، في الخطة والبرنامج المشترك، لا في بقاء الانقسام، والمناورات السياسية؟! بهذا المقال الذي يحمل رقم عشرة نكون قد غطينا جل قضايا الصفقة.