لم يكن ما أعلن عنه ترامب من صفقة تصفية فلسطين بالشيء الجديد أو الغريب عن الواقع وإنما هو تكريس للواقع الذي تم رسمه بخطوات متسارعة بعد اتفاق اوسلو الذي جاء بالتزامات تقيد الفلسطينيين وتطلق العنان لعربدة جنود الاحتلال والمستوطنين؛ لقد سمعنا رفضا متكررا من قيادة السلطة لـ"صفقة القرن" وهذا شيء مطلوب ولكن هل الأفعال تتوازن مع الرفض الأخير للصفقة؛ وهل الرفض لصفقة القرن لا يتطلب تغييرا للخطاب لاسيما خطاب رئيس السلطة الأخير في اجتماع وزراء الخارجية العرب ؟
هل التمسك بخيار التسوية وذكر فضائل التنسيق الأمني والحط من شأن المقاومة يتناسب مع مواجهة المشروع العالمي والمؤيد عربيا من بعض الأنظمة على الأقل لتصفية فلسطين وبيع قدسها واهدار حق لاجئيها بالعودة والتعويض؛ ألا يستوجب تغيير خطاب الاستجداء والاصرار على أننا شعب ضعيف وتجاهل مصادر القوة الكامنة وهي كثيرة لدى شعبنا ؟! ؛ هل التنسيق الأمني أقدس من القدس وفلسطين وثوابتها حتى لا نرى خطوات عملية لإيقافه وهذا ما جاءت لتؤكد عليه رئيس جهاز المخابرات الامريكية هاسبل وهو استمرار التنسيق الأمني مع الأمريكان والصهاينة في لقائها مع قادة وضباط التنسيق الأمني والمدني في السلطة.
الاستمرار بتجاهل المطلب الوطني لوقف السلطة التنسيق الأمني تحت مبررات لن تكون أبدا إلا خادمة للكيان هو استخفاف بإرادة الشعب الفلسطيني الذي لن يغفرها أبدا وهو قادر على تجاوز القبضة الأمنية الحديدية في مواجهة مؤامرات الصهاينة وعدوانهم المتواصل.
أليس من المعيب أن تُوصف المقاومة الفلسطينية التي تحافظ على الهوية بأنها إرهاب وتقارن وتُشّبه بالإرهاب الصهيوني المعتدي، أليس على قيادة السلطة القيام بخطوات عملية للتقارب مع شعبها وقواه أولاها إطلاق المعتقلين السياسيين والمطلوبين ووقف ملاحقتهم وعلى رأس من ذلك كله يجب رفع الإجراءات الإجرامية المتخذة ضد غزة.
القيادة التي لا ترتكن إلى مواطن القوة لشعبها ولا تستنفره لمواجهة المؤامرات لا تعبر عن ضميره الحي؛ فنموذج أبي عمار ليس عنا ببعيد الذي انحاز لشعبه وانتفاضته لمواجهة العدوان ومشاريع التصفية بعد أن اصطدم بفشل الرهان على مشروع التسوية مع الصهاينة فكان له الشعب حاضنا.