لم يكتفِ شياطين صفقة القرن بوضع أيديهم على معظم أرض الضفة الغربية، بل راحوا يطالبون السلطة بقطع رأس المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، فالذي أعد صفقة القرن يدرك جيداً العلاقة التبادلية بين الأرض والمقاومة، ويعرف أن ثمر الأرض لن يطيب للغزاة طالما ظلت المقاومة الفلسطينية ناراً تحرق أمنهم.
قطع رأس المقاومة في غزة جاء شرطاً أساسياً لقيام الدولة الفلسطينية المسخ، والتي ستقام على نسبة مئوية من أرض الضفة الغربية بعد أربع سنوات من الخدمة الأمنية الصافية لصالح الاحتلال، وهذا الشرط غير القابل للتطبيق تحت كل الظروف، ما جاء إلا ليشطب فكرة قيام الدولة الفلسطينية نهائياً، وجاء للتأكيد على الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية طوال سنوات الاختبار الأربع، حيث يتوجب أن تثبت السلطة الفلسطينية جديتها في الولاء، ومصداقيتها في تصفية المقاومة في غزة، لكي تفوز بعد سنين بدولة فلسطينية مسخ.
هذا التشويه للوجود الفلسطيني لم يعجب المتطرفين الصهاينة بقيادة مجلس المستوطنات، حيث رفضوا صفقة القرن التي تضمنت جملة "دولة فلسطينية"، وهم يعرفون أن ذكر "دولة فلسطينية" لم يأت إلا لكسب تأييد بعض الدول العربية للصفقة، ولإغراء السلطة الفلسطينية كي تواصل وظيفتها الأمنية، وتعلن التزامها بشروط الصفقة القاسية لاستئناف المفاوضات، مثل: التوقف عن دفع مخصصات ذوي الشهداء والأسرى، وإنهاء التحرك ضد (إسرائيل) في محكمة العدل الدولية في لاهاي، ووقف التحريض ضد دولة (إسرائيل)، وعدم الانضمام إلى المؤسسات والمحافل الدولية دون موافقة (إسرائيل).
فمن يقدر على تنفيذ هذه الشروط الإسرائيلية والأمريكية المذلة؟
حتى اللحظة، رفضت السلطة الفلسطينية وبمهرجان إعلامي صفقة القرن، ولكن هذا الرفض لا يكفي إذا لم يقترن بوقف التعاون الأمني فوراً، الرفض اللفظي عبر وسائل الإعلام لا يوجع (إسرائيل)، ولا يبطل مخططها لضم أكثر من 30% من أراضي الضفة الغربية يوم الأحد القادم، الرفض الحقيقي يتمثل بنزع سلاح الأمن من يد (إسرائيل)، وتركها عارية أمام غضب الشعب، وسلاح الأمن أكثر ما تخشاه (إسرائيل)، لذلك حرصت على إغراء السلطة بذكر جملة "دولة فلسطينية"، كي تواصل القيام بدورها الوظيفي لأربع سنوات قادمة، وهي الفترة الزمنية الضرورية لاستكمال ضم ما تبقى من أرض الضفة الغربية.
وحتى اللحظة، لم توقف السلطة الفلسطينية تعاونها الأمني، ولم تطبق قرارات المجلس المركزي بهذا الخصوص، وكل ما صدر عن السيد محمود عباس في هذا الشأن جملة "سنقوم باتخاذ كل الإجراءات التي تغير الدور الوظيفي للسلطة"، ولكن اتخاذ كافة الإجراءات قد يستغرق زمناً، وقد يفتح الباب للضغوط والإغراءات، وقد يفتح أبواب الشك، ولاسيما أن السيد عباس قد أعلن بتاريخ 25/7/2019 عن وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع (إسرائيل)، وتراجع عن الإعلان، لذلك فإن وقف التعاون الأمني فوراً، هو الضمان الأكيد لقطع اليد الإسرائيلية الخارقة للوحدة الوطنية، والمتسللة سراً لنزع سلاح المقاومة في غزة.
وقف التعاون الأمني خطوة عملية تطمئن الشعب الفلسطيني، وتجعل منه يداً واحدة في مواجهة أعدائه، ولتكن الخطوة التالية رفع العقوبات المفروضة على سكان قطاع غزة، وصرف رواتب موظفي غزة كاملة، أسوة بزملائهم في الضفة الغربية.