لا ينقص الضم الفعلي لمناطق "ج" و الأغوار على الأرض سوى إعلان سيادة الاحتلال عليها وتطبيق القانون الإسرائيلي، فتصبح القوانين المعمول بها في الداخل المحتل هي ذاتها المعمول بها بمناطق "ج" كالأغوار، لأن ما أحدثه الاحتلال من تغيير على الأرض من تهويد وتهجير السكان والسيطرة على مناطق شاسعة من الضفة يسهل عليه إعلان ضمها.
بذلك يحصد الاحتلال ثمار ما يصفه المراقبون بالجريمة السياسية التي حدثت قبل أكثر من 25 عامًا بتوقيع اتفاق "أوسلو" الذي قسم الضفة لثلاث مناطق "أ" (خاضعة لسيطرة المدنية والأمنية للسلطة) ومنطقة "ب" (خاضعة لسيطرة مدنية للسلطة، وأمنية للاحتلال)، و"ج" (خاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية).
فعليًّا ينهي الضم الإسرائيلي لمناطق "ج" التي تشكل مساحتها نحو 61% من مساحة الضفة بما فيها الأغوار والمستوطنات أي حلم في إقامة دولة فلسطينية، وتصبح الدولة في مناطق التجمعات السكانية كمدن رام الله والخليل وبيت لحم، أشبه بنظام الحكم الذاتي وتقديم خدمات البلدية.
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أعلن في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019م أن حكومة بلاده لم تعد ترى في بناء المستوطنات في الضفة الغربية انتهاكًا للقانون الدولي، هذا الإعلان الأمريكي الواضح أعطى الاحتلال يشكل غطاء للاحتلال للضم الفعلي، وتأتي إعلان صفقة القرن تتويجًا لكل هذه التوجهات.
ولم يكن التأخير الأمريكي للإعلان عن صفقة القرن من فراغ، بل هدف إلى إعطاء فرصة للاحتلال لفرض مزيد من القرارات والإجراءات على الأرض.
وهذا ما دفع وزير جيش الاحتلال نفتالي بينيت لإصدار قرار بمنع الفلسطينيين من البناء في منطقة "ج"، والتي اعتبرها مراقبون، خطوة أخيرة في فرض السيادة الإسرائيلية على تلك المنطقة التي لا يتجاوز عدد سكانها عن 10% من سكان الضفة.
وتبع ذلك قرار آخر من بينت، بإعلان سبع مواقع في الضفة الغربية أنها "محميات طبيعية" جديدة، وعن توسيع 12 "محمية طبيعية" أخرى في الضفة، كجزء من الضم الفعلي، وحسم ملف الأراضي قبل مفاوضات الحل النهائي.
حسم مستقبل الضفة
يرى المختص في الشأن الإسرائيلي د.عادل شديد أن إعلان وزير الخارجية الأمريكي بأن البناء بالضفة لا يخالف القانون الدولي معناه، أن هناك موقفًا سياسيًّا أمريكيًّا لم يعد يعتبر المستوطنات مخالفة للقانون الدولي، ولم يعد يعترف أن هذه المناطق المقام عليها مستوطنات إسرائيلية هي مناطق فلسطينية كما كان باتفاق أوسلو.
يقول شديد لصحيفة "فلسطين" إنه ومع الإعلان عن صفقة القرن قد انتقلت الأمور لإحداث تغيير بالمكانة القانونية من جهة نظر أمريكية لوضع المستوطنات، بمعنى أنها باتت خاضعة للقانون الإسرائيلي ولم تعد الإدارة الأمريكية تنظر للضفة بأنها مناطق محتلة، بالتالي حسمت الصفقة قضية الضم.
وأضاف، بأنه حتى الأصوات الإسرائيلية التي تعارض الضم خجولة، فرغم أن حزب "بيني غانتس" لا يؤيد الضم إلا أنه لن يستطيع معارضة التوجه الأمريكي بضم هذه المناطق للاحتلال.
بذلك يحسم مستقبل الضفة الغربية جغرافيًّا وسكانيًّا خارج طاولة المفاوضات، بعدما كانت السلطة تتوجه في عهد رئيس وزراء الاحتلال أولمرت باتجاه صفقة تبادل أراضي بين الطرفين لا تزيد نسبتها على 6%، لكن الآن يتم الحديث عن ضم مناطق "ج" بما فيها المستوطنات والأغوار.
وأردف شديد: "نحن أمام المحطة الأكثر خطورة على إمكانية بقاء الحركة الوطنية الفلسطينية، ونحن أمام مشروع تصفوي للقضية والوجود الفلسطيني".
سيتم من خلال هذا التوجه، وفق شديد، فرض السيادة الإسرائيلية على 2000 كيلو متر مربع من الضفة، ما يحول التجمعات الفلسطينية لمئات الأقفاص والسجون المحاطة من أربع جهات، ما يجعلنا أمام كارثة تهجير.
في قضايا الضم يركز الاحتلال الإسرائيلي كذلك على منطقة الأغوار، نظرًا لأهميتها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي إذ تعتبر سلة فلسطين الغذائية، في هذا الإطار لفت شديد إلى أن الاحتلال يعتبر الأغوار حدود فلسطين الشرقية، ومنطقة اقتصادية تضم غنية بالموارد الطبيعية كالمياه والمساحات الزراعية الشاسعة.
وتبلغ عدد المستوطنات في الأغوار 38 مستوطنة يعيش فيها 13 ألف مستوطن، وتعتبر مستوطنات الأغوار زراعية، يهدف المخطط الموجود فيها إلى السيطرة عليها باعتبارها تشكل 29% من مساحة الضفة.
ويسيطر الاحتلال حاليا على الأغوار من خلال الأوامر العسكرية تحت مسمى الحاجة الأمنية في على امتداد المنطقة الواقعة من مدينة طوباس حتى جنوب شرق الخليل والتي تزيد مساحتها عن 600 كيلو متر مربع.
أمام هذا الواقع لم يتبق من الضفة إلا منطقتي "أ و ب"، أي مناطق المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية التي ستصبح محاصرة من ثلاث جهات والجهة الرابعة يحيط بها جدار الفصل العنصري، بالتالي لم يبقَ امتداد ولا عمق جغرافي. وفق شديد.
إجراءات بروتوكولية
يقول المختص في الشأن الإسرائيلي فرحان علقم: "إن الضم فعليًّا حاصل وأن التهويد ومصادرة الأراضي موجودة، كما حال التحكم بمصائر الناس وأملاكهم وهدم البيوت الفلسطينية بشكل تعسفي، وكل الممارسات الإسرائيلية"، لافتا إلى أن عملية الضم الفعلي والشامل تجري على قدم وساق وما تبقى هي إجراءات بروتوكولية.
وأضاف علقم لصحيفة "فلسطين" أن ما جعل أمريكا تتأخر في إعلان صفقة القرن لإعطاء الاحتلال مزيدًا من الفرصة لفرض الأمر الواقع ويتوج بإعلان الضم والسيادة على التجمعات الاستيطانية، فيما يذهب نتنياهو للحديث عن توجهه لضم الضفة الغربية ومناطق "ج" وممارسة السيادة الكاملة عليها وأن يسري عليها قانون الاحتلال.
وتبلغ أعداد المستوطنات بالضفة التي لها شكل واضح ومسمى وميزانية 198 مستوطنة و230 بؤرة استيطانية يعيش فيها نحو 800 ألف مستوطن.
وقام الاحتلال بإيداع 47 مخططا هيكليا لمستوطنات داخل الضفة الغربية خلال عام 2019 جرى المصادقة على 28 مخططا منها، كما طرح 21 مناقصة لبناء مستوطنات، وبلغت عدد الوحدات السكنية التي أعلن عنها في تلك المناقصات 1234 وحدة.
لكن في عام 2018 أودع الاحتلال 65 مخططا هيكليا صادق على 33 مخططا وطرح 41 مناقصة فيما بلغت عدد الوحدات السكنية 4980 وحدة.
في حين دمر الاحتلال الإسرائيلي 650 منزلا خلال 2019م، فيما دمر 450 فلسطينيا عام 2018م، الأمر الذي يشير إلى تصاعد عمليات الهدم، كل هذه الإجراءات كانت تمهد بصمت للضم.
ولفت علقم إلى أن الضم فعليا، ينهي الدولة الفلسطينية بمعنى أن هذه الدولة لن تشمل المناطق التي جرى ضمها، وتصبح الدولة الفلسطينية على مناطق كنتونات معزولة عن بعضها تقدم خدمات بلدية، بالتالي تضيع الحقوق الفلسطينية ومعها لا يمكن إقامة دولة فلسطينية.
ويشمل الضم وفق علقم مناطق "ج" بما فيها الأغوار والمستوطنات أهمها "معاليه أدوميم"، وغوش عتصيون، والتجمعات البدوية، ومناطق مسافر يطا جنوب الخليل.

