حماس لا تلتفت إلى الوراء بعد اعتمادها المصالحة خياراً استراتيجياً، وما زالت تصبر على التنكر لبرنامج المصالحة الذي يُمارس بشكل واضح، وما زالت السياسة التي تُواجه بها غزة (المراوحة) والتلكؤ والعقوبات وتعطيل الانتخابات ، وخلق المعاناة لجميع أهلها دون استثناء، حتى خُلقت قناعات رأي عام جمعي في غزة يرفض المصالحة بثوبها الممجوج.
وفي المقابل حماس تقرر هجوم المصالحة والانتخابات، مع دعوة جادة وسعي مثابر لتشكيل مشاركة واسعة نحو المصالحة الوطنية المسؤولة، تحترم الآخر وتعزز النسيج المجتمعي والوطني، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني.
غزة تعيش بعد توقيع المصالحة الأخير حالة خنق متعمدة، لتصل إلى حالة انهيار اقتصادي ومالي، سعياً لوصول غزة إلى حالة انفجار مقصودة لذاتها في مجافاة كاملة لفلسفة المصالحة وروحها.
ولكن غزة أبطلت فعل التآمر بانفجارها في وجه الاحتلال عبر مسيرات العودة الكبرى ولكن هذا لا ينفي أن غزة بحاجة لإنقاذ عاجل، وإسعاف طارئ رقت له قلوب الأغراب وهم يرون حالة لا إنسانية تداهم شعبا تحت حصار ظالم، "وظلم ذوي القربى أشد مضاضة". وحماس رغم ضيق ذات اليد وعسر حالها المالي تقدم القليل للعائلات الأشد فقراً، وكذا تطلق مبادرات وحملات تسعى إلى تعضيد النسيج المجتمعي في مواجهة رغبة إسقاط غزة المحمومة.
ورغم ذلك ما زال المجتمع الغزي على ألمه يأمل بتجاوز المراوحة إلى المصالحة الجادة التي تخفف المعاناة الصعبة التي أفرزتها إجراءات انتقامية، وسياسة مراوحة تهيمن على مشهد المصالحة والانتخابات المُعطلة، وفي الآونة الأخيرة تصاعدت الآهات من قطاعات عدة في المجتمع، عبر سلسلة فعاليات تصرخ من شدة الألم في وجه الظالمين.
يبدو مع الأيام أن الوقائع تؤكد أنه مطلوب تجريد غزة ملهمة المرحلة من مخزون الكرامة ومن سلاحها الذي جسده صمود مشروع المقاومة أمام غول العربدة الصهيونية، وهذه "أزمة غزة" أنها تقدم بديلاً حقق نقاطا مهمة في ملحمة ممتدة أمام سقوط وهم التسوية السرابي وتلاشي حل الدولتين.
الانفجار المقصود في غزة لن يكون إلا في مواجهة الاحتلال (العدو الحقيقي)، وستمضي حشود غزة في مواجهة الاحتلال عبر مسيرات العودة الكبرى المستمرة بعد إعادة التموضع في مواجهة صفقة القرن وصولاً إلى الذروة في ذكرى النكبة ليتحمل الاحتلال مسئوليته القانونية كدولة احتلال عنصري، ولتعمق الحشود معنى حق العودة في أذهان أجيال تأبى النسيان وتعض على الجراح. وبوصلة الانفجار موجهة صوب الاحتلال الجهة المسؤولة قانونياً عن الواقع.
والتحرك الشعبي صوب حدود قطاع غزة في ذكرى الأرض ويوم النكبة وكل المناسبات الوطنية يشكل حالة طبيعية للمطالبة بالحقوق المعيشية، فضلاً عن حق العودة الذي يريد شطبه ترامب ونتنياهو، عبر مشروع إنهاء "أونروا" كخطوة أولى، وتحويل قضية اللاجئين إلى مسألة إنسانية مرتبطة بعشرات الفلسطينيين ليس أكثر وهذه أخطر بنود صفقة القرن.
وقد لا تدرك أطراف الحصار والتآمر على غزة والساعين إلى إنهاك مقاومتها كنموذج ملهم للحرية والكرامة أن شظايا غزة ستطالهم جميعاً، وأن غزة لن تموت وحيدة بين الجوع والأسلاك الشائكة والعدوان ولن تسلم سلاحها كما يريد ترامب في صفقة القرن المشؤومة، إنما سيوقظ دوي انفجارها العالم الظالم.
ولكن للأسف رغم مخاطر صفقة القرن ما زال منطق التفرد والإملاءات يواجه مشروع المصالحة والانتخابات بسياسة المراوحة الذي تحياه في ظل التصفية الصهيوأمريكية للقضية الفلسطينية.
ويحتاج هذا من المجموع الوطني الفلسطيني إلى مراكمة نقاط قوة لصالح مشروع وطني يستطيع الصمود في ظل تهديد خطير، وبالتأكيد يكون ذلك في ظل برنامج سياسي جامع، مع خطاب إعلامي موحد يصون ولا يبدد، ويجمع ولا يفرق، وخاصة في ظل سقوط وهم التسوية والضرورة في الحفاظ على الثوابت وخاصة قضيتا القدس واللاجئون اللتان تتعرضان لتهديد غير مسبوق، مع تأكيد ضرورة عمل الكل الوطني لتوطيد علاقات دولية تسند الحق الفلسطيني في ظل عزلة الموقف الأمريكي.
القضية الفلسطينية تواجه خطرا قاسيا وما اصطلح عليه في التقارير الإعلامية صفقة القرن، والإعلان الفج عنها الآن إعلان وقح لتصفية القضية الفلسطينية بفرض ترامب رؤيته اليهودية التلمودية على العالم العربي والجانب الفلسطيني، في تجاوز فظ للقرارات الدولية والحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، وكان من ذلك إعلان القدس عاصمة الكيان الصهيوني، وكذلك السعي لشطب حق العودة، وضم أراضٍ شاسعة من الضفة الغربية والأغوار ونزع سلاح المقاومة.
ويجري فرض الحل بالتلويح بالعقوبات الاقتصادية، وكذلك بالحل الإقليمي والسلام الاقتصادي. ويتركز مشروع الصفقة في جوهر القضية جغرافياً القدس والضفة، والحلول لغزة بنزع مخلبها، والعمل على إضعاف المقاومة التي عنوانها غزة مهمة لأطراف المؤامرة، وهذا يفسر حالة الاستهداف لغزة.
وهنا يكمن جدوى خيار المصالحة الاستراتيجي في هذه المرحلة وذلك لمنح مزيد من القدرة على مواجهة خيار ترامب العنجهي، وضرورة السعي من (حماس + فتح ) لتحقيق حالة التفاف شعبي حول برنامج صمود وطني صادق وقادر على تحقيق نقاط في معركة اشتباك سياسي وميداني مداه الزمني طويل ويحتاج إلى "واستعينوا بالصبر والصلاة". ومن هنا تمثل مسيرات_العودة_الكبرى وتمددها بارقة أمل في التفاف فلسطيني وطني حول مشروع واضح، وبرنامج عمل محدد.
المصالحة بذلك تشكل رافعة للمشروع الوطني، وتُعيد الاعتبار للبيت الفلسطيني الجامع بأفق رحب، واستراتيجية وطنية جامعة، وبرنامج سياسي، يحمل الدليل الذي يشي بمغادرة مربع المراوحة إلى مصالحة جادة عبر الشروع بشكل سريع وجاد لبناء منظمة التحرير.
ومن هنا فإن المسؤولية تقتضي مصالحة ثقافية وفكرية تشمل جميع المستويات القيادية التنظيمية والمناطق الجغرافية، وكذا في شتى مجالات العمل الوطني التنظيمي.
دعوتنا متجددة وقائمة إلى مغادرة مربع المراوحة، والسعي قدماً نحو #المصالحة الجادة، فالوقت يمضي، والقضية الفلسطينية تتهددها أخطار جمة، ومشروع تصفيتها عبر صفقة القرن يطرق الأبواب بقوة عبر إجراءات ترامبية متصاعدة. حيث يتزايد السلوك الأمريكي والقرارات الإملائية التي تشي كما قبل الإعلان عنها بخطوات متزايدة ضمن مشروع السباق الانتخابي في البيت الأبيض والكنيست على أنقاض القضية الفلسطينية.
المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى الإيمان المطلق بالمصالحة الحقيقية التي تحمل عبق الشراكة، وتعي أبعاد المرحلة وخطورتها، وتسعى إلى تعزيز عناصر القوة فلسطينياً، وتمتين الجبهة الداخلية، وصولاً إلى قدرة على إفشال أي مؤامرة لتصفية القضية أيًا كانت وأيًا كان الشركاء في التآمر.
شعبنا بخير، وها هو العالم يرى غزة الجريحة تنتفض في وجه السجان، وتسجل نقاطا مهمة في ملحمة التحرير، وشعبنا قادر على إبطال أي مشروع يضر بقضيته كما فعل ذلك سالفاً عديد المرات.
يومئذ يفرح الفلسطينيون بمصالحة حقيقية وبإفشال مشروع التصفية الأخطر.
و"يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله"