صفقة القرن لم تبدأ صباح اليوم بلقاء القيادة الإسرائيلية مع الرئيس الأمريكي، ولم تبدأ الصفقة هذا الأسبوع أو هذا الشهر، صفقة القرن في المطابخ السياسية، ويجري الإعداد لها منذ ثلاث سنوات كما ذكرت ذلك وزارة الخارجية الفلسطينية، ثلاث سنوات هي فترة زمنية كافية لتدق على أبواب القيادة الفلسطينية بالخطر، وسؤال المسؤولين عن الخطط البديلة، والإجراءات الميدانية التي اتخذتها القيادة الفلسطينية للوقوف حجر عثرة في وجه صفقة القرن التي تهدف إلى تصفية القضية.
لا يكفي أن يرفض الفلسطينيون صفقة القرن، لأن صفقة القرن لا تنتظر موافقة أو رفض الفلسطينيين، صفقة القرن ستأخذ بما هو قائم على الأرض، وتثبيته كحق شرعي معترف به دولياً وعربياً، وما هو قائم على الأرض هو سيطرة 700 ألف مستوطن يهودي على 60% من مساحة الضفة الغربية موضع النقاش والصراع، فأين كان الفلسطينيون قيادة وتنظيمات وشعباً طوال تلك السنوات الآمنة للمستوطنين، والتي مكنتهم من السيطرة على الأرض؟
أين كنتم أيها الفلسطينيون طوال تلك السنوات التي تمكن فيها اليهود من أرضكم في الضفة الغربية؟ لتفيقوا سنة 2020، فإذا بكم خارج الملعب السياسي! وهل كنتم لا تعرفون ما يجري فوق أرضكم، أم كنتم تعرفون وتدفنون رأس قضيتكم في رمال المصالح والمكاسب الشخصية؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يطوف في شوارع غزة والضفة الغربية والقدس وفلسطين 48، وأن يدق على باب كل بيت في مخيمات اللاجئين، وأن تصير الإجابة عليه فرض واجب قبل أن يبدأ النقاش التنظيمي والشعبي حول سبل مواجهة صفقة القرن.
فمن الذي شجع صفقة القرن لتلقي بثقلها اليوم، بعد أن طلت برأسها سنوات؟ ومن الذي شجع الرئيس الأمريكي لطرح الصفقة بين يدي القيادة الإسرائيلية، طالباً موافقتها ورضاها، في الوقت الذي احتقر مصالح الفلسطينيين واستخف بمطالبهم؟
من المسؤول؟ سؤال يسبق الدعوة إلى عقد لقاء يجمع كل التنظيمات في القاهرة، ويسبق الدعوة إلى يوم غضب شعبي يتزامن مع يوم الإعلان عن صفقة القرن، من المسؤول؟ سؤال يسبق التهديد بحل السلطة، ويسبق التصريحات بوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، ويسبق المطالبة بإطلاق يد المقاومة، وتحريك مظاهرات جماهيرية في شوارع غزة والضفة الغربية.
من المسؤول؟ ولماذا سكت الفلسطينيون على تمدد المستوطنات اليهودية كل تلك الفترة الزمنية الممتدة من انتهاء الفترة الانتقالية لاتفاقية أوسلو سنة 1999 وحتى يومنا هذا؟ لماذا استخفت أمريكا وإسرائيل بالفلسطينيين إلى هذا الحد؟ فراحوا يرتبون المنطقة دون اعتبار لغضب أصحاب الأرض، ولماذا تستنفر القيادة طاقتها عشية الإعلان عن صفقة القرن؟ وتهدد بوقف التعاون الأمني، وهي التي كانت ترى بأم عينها، وتبصر وتلاحظ وتوثق كل ما يزرع من مستوطنات فوق الأرض.
ودون الإجابة على الأسئلة السابقة سيظل الفلسطينيون كثور الساقية، يقدمون التضحيات وسنوات العمر في المعتقلات دون أن يكحلوا أعينهم بقطرة حرية.
ودون الإجابة على الأسئلة السابقة، ودون تحميل المسؤولية للجهة التي فرشت الأرض أمناً وأملاً للمستوطنين اليهود، فإن كل لملمة للوضع على عجل ستكون وبالاً على مستقبل الأجيال، وكل جهد يتأسس على ردة فعل آنية سيذهب هباء، وستصب كل تضحية طاهرة نقية مكاسبها في جيوب تجار الوطنية!