سنة تنطوي تلو الأخرى تحمل الكثير من المعاناة الناجمة عن أزمة الكهرباء، لدى المواطن أبو صلاح أحمد (40 عامًا) الذي لم يخفِ حجم التأثير السلبي الذي انعكس عليه وعائلته نتيجة لذلك.
14 سنة من الحصار مرّت بحالة من "عدم الاستقرار" لدى عائلة أحمد، بسبب وصل وقطع التيار الكهربائي بين الفينة والأخرى، نتيجة إجراءات الاحتلال وانقطاع أو عدم كفاية السولار المغذي لمحطة توليد الكهرباء في فترات عدة.
يقول أحمد لصحيفة "فلسطين"، إن انقطاع الكهرباء أثّر سلبًا على تلبية متطلبات عائلته، سواء على صعيد دراسة أطفاله، أو الأعمال المنزلية الملقاة على عاتق زوجته.
ويضيف أن هذه الأزمة زادت عليه تكاليف مالية كبيرة، في سبيل البحث عن وسائل الطاقة البديلة، مثل شراء البطاريات الخاصة بالإنارة وغيرها من الأمور، لافتًا إلى أنه يحتاج لشراء بطارية بسعة 100 أمبير سنويًا لتوفير طاقة بديلة عن الكهرباء لعائلته.
ويستعرض بعضًا من الآثار السلبية التي خلّفها الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي مثل فساد الأطعمة بسبب عدم المقدرة على تشغيل البرادات، إضافة زيادة المعاناة في فصل الصيف بسبب الحر لعدم إمكانية تشغيل وسائل التهوية، وفي الشتاء عدم القدرة على تشغيل التدفئة.
هكذا بدا الحال لدى الشاب أدهم سعدي (33 عامًا)، الذي يعمل في مجال مواقع التعليم عبر الإنترنت، حيث يؤكد أن مشكلة الكهرباء من أصعب المشكلات التي تواجهه خلال عمله.
ويقول سعدي لصحيفة "فلسطين"، إن الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي يتسبب بإعاقة عمله عبر الإنترنت.
أما على صعيد عائلته، فيوضح أنه يعاني كأي بيت فلسطيني في القطاع، حيث تعرضت عدة أجهزة كهربائية للعطل نتيجة تكرار انقطاع الكهرباء.
في حين يقول الشاب توفيق المصري: "في بداية الأزمة كانت قوَّة التيار الكهربائي غير منتظمة، وهذا أثَّر في عدة أمور في البيت".
ويروي المصري لصحيفة "فلسطين"، أنه ذات يوم ومع وصول الكهرباء بقوة، أدى ذلك لاشتعال "طابلون" شبكة الكهرباء، واندلاع حريق في المنزل".
ويضيف: "جلسنا دون كهرباء لعدة أيام لحين إصلاح واستبدال العداد، عدا عن التكاليف التي تكبدناها في إصلاح الشبكة المنزلية نتيجة تلفها بالكامل"، مشيرًا إلى احتراق بعض الأجهزة الكهربائية نتيجة الوصل والانقطاع المفاجئ.
أما أم قصي عايش (30 عامًا) وهي ربة منزل لا تزال تنتظر لحظة قدوم التيار الكهربائي بشغف، بعد الانقطاع الطويل الذي يستمر لثماني ساعات يوميًّا، من أجل إنجاز الأعمال المنزلية المطلوبة منها.
وتشتد معاناة عايش أكثر، مع تزايد ساعات قطع الكهرباء، الأمر الذي يثقل كاهلها، ويزيد من الأعباء الملقاة على عاتقها، لا سيَّما أنها تحاول أن تؤقلم أعمالها مع قدوم الكهرباء.
وتحكي عايش لمراسل صحيفة "فلسطين"، المعاناة التي تعيشها، جراء زيادة ساعات انقطاع الكهرباء، قائلةً "قطع الكهرباء أفسد حياة المواطنين، وغيّر نمط حياتهم".
وتضيف: "عندما تأتي الكهرباء للمنزل لساعات محدودة، يتحول البيت ورشة عمل جديدة في منتصف الليل، لإنجاز بعض الأعمال المنزلية مثل الغسل والتنظيف وغيرها".
أزمة قديمة جديدة
في السياق، يؤكد مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع الكهرباء محمد ثابت، أن أزمة الكهرباء في قطاع غزة قديمة جديدة، مشيرًا إلى أنها تعمّقت أكثر منذ عام 2006، حتى يومنا هذا.
ويوضح ثابت لصحيفة "فلسطين"، أن فصول الأزمة ظهرت جليًا عندما قصفت طائرات الاحتلال محطة توليد الكهرباء الوحيدة سنة 2006، ما أدى لتدمير ستة محولات كهرباء بالكامل.
ويبين أن الاحتلال حدد كمية الوقود التي يُسمح بإدخالها لقطاع غزة وفق قانون أقرَّه بهذا الخصوص آنذاك.
ويضيف: "منذ ذلك التاريخ ونحن نعيش في أزمة كهرباء، وتتعمق يومًا بعد آخر، نتيجة زيادة سكان قطاع غزة، والتوسع العمراني المستمر، ما يؤدي لزيادة الطلب على الطاقة".
ويلفت إلى أن كمية الكهرباء التي تدخل لقطاع غزة من الاحتلال تصل إلى 120 ميجاواط وذلك بعد مفاوضات بين السلطة و(إسرائيل) بعد عام 1994م، وهي مستمرة إلى الآن.
ويشير إلى أنه تم جلب كميات من الوقود من الجانب المصري للتعويض بكميات الكهرباء بعد قصف محطة التوليد، في محاولة لحل جزء من الأزمة الحاصلة آنذاك.
ويبيّن أن مجمل الكهرباء الواصلة للقطاع، 120 ميجاواط ومحطة التوليد 80 ميجاواط بعد المنحة القطرية، في حين أن الخطوط المصرية متعطلة منذ مارس/آذار 2018، منبهًا إلى أن الكهرباء الواصلة للقطاع في أحسن الظروف تصل 200 ميجاواط.
ويذكر أن الطلب على الطاقة يصل إلى 500 ميجاواط خاصة في فصل الشتاء، ما يعني أن هناك عجز يصل إلى 300 ميجاواط.
ويؤكد ثابت، أن قلة الكهرباء أثّرت على الاقتصاد الغزي والمتاجر والمصانع وبعض المرافق العامة، وكل مناحي الحياة، ما تسبب بإغلاق الكثير من المرافق والورش، إضافة للتأثير على القطاع الصحي، ما أدى تراجع مستويات الأداء فيها.
ويشدد على أن أزمة الكهرباء استنزفت جيوب المواطنين الغزيين في البحث عن وسائل بديلة، لافتًا لوجود إحصائية تتحدث أن قطاع غزة صرف مليار دولار على بدائل الطاقة الكهربائية، واصفا ذلك بأنه "استنزاف للجيب الفلسطيني المنهك أصلًا".
ويقول: "شركة الكهرباء استُنزفت خلال هذه السنوات ولم تستطِع التدبر بكميات الكهرباء الواصلة لها، وتوزيعها على الناس بشكل يكفي حاجتهم، وكهرباء دائمة لأنها جهة توزيع وليس جهة توفير".
ويضيف: "نحن في شركة الكهرباء مسؤولون عن توزيع ما يصلنا من كهرباء ولسنا مسؤولين عن التوفير".
"فيتو إسرائيلي"
ويؤكد ثابت، وجود فيتو إسرائيلي على تنفيذ مشاريع استراتيجية من المفترض أنها تمد قطاع غزة بطاقة كهربائية، تسد رمقها المتعطش للكهرباء.
ويوضح أن حل مشكلة الكهرباء يعتمد على تنفيذ المشاريع الاستراتيجية، مثل المشاريع الإسعافية التي يُمكن من خلالها التدبر واستقدام كهرباء إضافية عبر تشغيل خط 161 القادم من (إسرائيل) الذي من شأنه مد قطاع غزة في مرحلته الأولى بـ100 ميجاواط.
ويذكر أن تشغيل الخط بحاجة لموافقة من الاحتلال، وكل الأطراف وتوافق فلسطيني فلسطيني، مشيرًا إلى أن الاحتلال يطالب بدفع ثمن هذه الكهرباء، مضيفًا: "نحن بحاجة أيضًا لإعادة ترميم محطات التحويل".
ويتابع: "نحتاج إلى توسعة محطة التوليد بحيث تستوعب ثمانية مولدات بدلًا من أربعة، ومن ثم يُمكن الحديث عن مشاريع أكبر مثل الربط الثماني مع مصر".
ويشير إلى المشاريع المساندة مثل الطاقة الشمسية التي ساعدت في تقليص أزمة الكهرباء وليس حلها بشكل جذري، محذرًا: "إذا لم يتم حل الأزمة سريعا، سيكون له تداعيات خطيرة على كل المرافق في القطاع".
مواجهة التحديات
ورغم كل الأزمات والتحديات، فإن ثابت ينبه إلى إنجازات منها تشغيل محطات ضخ المياه العادمة على مدار الساعة، خاصة الواقعة على الشاطئ، من أجل وقف التلوث البيئي في البحر، إضافة لمحطات معالجة المياه العادمة، وإمداد جميع مستشفيات قطاع غزة بالكهرباء على مدار الساعة في 2019.