أطماع الصهاينة بالأرض العربية شرق النهر لا تقل شراسة عن اغتصاب الأرض العربية غرب النهر، وتخوف الصهاينة من العربي شرق نهر الأردن لا يقل عن تخوفهم من العربي غرب النهر، وعين (إسرائيل) تراقب وتتابع كل حراك أو تحول في مزاج الشارع العربي شرق النهر وغربه، فالأردن له تأثير مباشر على الأمن الإسرائيلي، وعلى الاقتصاد الإسرائيلي، بل على مجمل السياسة الإسرائيلية التي ترى باستقرار الأردن في هذه المرحلة مدخلاً لاستقرار الحلم الإسرائيلي، وهذه السياسة رسمها اليهودي هيربرت صمويل، أول مندوب سامي بريطاني إلى فلسطين سنة 1917.
حلم (إسرائيل الكبرى) لم يأت موعده بعد، ولن تحرق (إسرائيل) المراحل، ولاسيما أن المتغيرات الإقليمية في الشمال "تركيا وسوريا" وفي الشرق "إيران والعراق" وفي الغرب "ليبيا وتونس والجزائر" لا تخدم الأطماع الإسرائيلية، بل تضعها على مفرق الخوف من المتغيرات الاستراتيجية، وأزعم أن (إسرائيل) أحرص في هذه المرحلة على الاحتفاظ بركائز الأمن الإسرائيلي على الحدود الشرقية في الأردن والجنوبية في مصر، وتقديري هذا يخالف كل ما ينشره الإعلام الإسرائيلي عن انتهاء دور الأسرة الهاشمية، وأن اليمين الإسرائيلي يفكر بالتخلص من الأردن المستقرة، وقد حان الوقت لحسم الصراع في غور الأردن والقدس ومجمل الضفة الغربية، ولا يتسنى ذلك إلا بزعزعة الاستقرار شرق النهر، وإزاحة النظام الأردني الذي أمسى عقبة في وجه الأطماع الصهيونية!
ولما كان الإعلام الإسرائيلي لا يخدم إلا الحلم الإسرائيلي، ولا يتحرك إلا وفق رؤية استراتيجية، لذلك؛ فإن ما نشرته صحيفة هآرتس من مقالات تحذر من خراب الأردن على يد الأحزاب اليمينية التي ترتب لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، هذه التهديدات تهدف إلى إخافة الشعب الأردني من ربط مصيره بمصير إخوانه غرب النهر، تهديدات تطالب الأردن بالتزام الصمت جراء ما يجري غرب النهر، وأن يتوقف عن المطالبة بإلغاء اتفاقية وادي عربة، وألا يطالب بإلغاء اتفاقية الغاز، وألا يطالب بمحاربة الفساد والفاسدين، وكأن ما يخبئه اليمين الإسرائيلي للعربي شرق الأردن أصعب بكثير مما يجري غرب النهر!
رسالة الإعلام الإسرائيلي ضد الأردن تعبر عن استياء السياسة الإسرائيلية من دور الأردن في هذه المرحلة، ومن مواقف ملك الأردن الصارمة من ضم منطقة الأغوار، وتغيير الوضع القائم في القدس، وموقفه من استرداد أراضي الباقورة والغمر، والأكثر من كل ما سبق، موقف العاهل الأردني من الحياة السياسية في الأردن، وإطلاق الحريات، وتشجيع الديمقراطية، وإطلاق يد الإعلام الأردني للتعبئة والتحريض وفضح المخططات الصهيونية في المنطقة ككل.
ستشهد الأيام القادمة مزيداً من تصدير الخوف إلى الأردن، وسيقرأ الأردنيون المزيد من المقالات بهذا الشأن، وسيسمعون المزيد من التصريحات الإسرائيلية العابرة لنهر الأردن، والموجهة إلى الشعب الأردني الذي ربط مصيره في شرق النهر بمصير أهله غرب النهر، وأدرك أن الهجمة الصهيونية على الأرض العربية لا يكسرها إلا وحدة العرب، والتصدي للمؤامرة الصهيونية بروح الفريق القابض على الكرامة الوطنية.
ليطمئن الأردنيون على استقرارهم الذي تحتاج إليه (إسرائيل) أكثر من حاجة الأردنيين أنفسهم إلى الاستقرار، وليثق الأردنيون بمستقبلهم الذي تسيجه مكانتهم الجغرافية والوطنية والسياسية، تلك المكانة التي جعلت من فقدان الأمن في الأردن خطراً قاتلاً على مستقبل (إسرائيل) نفسها، ولاسيما في هذه المرحلة التي تتربص بها إيران من الشرق، وتحاصرها الطموحات التركية من الشمال، ويخنقها ملايين الفلسطينيين المتحفزين للغضب تحت راية من يؤمن بوحدة المصير بين العربي شرق النهر وغرب النهر.