(إسرائيل) محور الحدث في المنطقة، فإن ضربت الصواريخ الأمريكية إيران، ونجحت في تدمير قدراتها، فالمستفيد الأكبر هو (إسرائيل)، وإن ضربت الصواريخ الإيرانية القواعد الأمريكية، وزعزعت الوجود الأمريكي في المنطقة، فالخاسر الأكبر هو (إسرائيل)، لذلك حرص نتنياهو على الإعلان عن وقوفه إلى جانب أمريكا، وراح يهدد كل من يحاول مهاجمة (إسرائيل) بضربة ساحقة ومؤلمة للغاية.
التهديد الإسرائيلي بضرب إيران لا يدلل على الثقة بالنفس والقوة بمقدار ما يعبر عن خوف حقيقي، ولاسيما أن النقطة الأضعف في معادلة المواجهة بين إيران وأمريكا هي (إسرائيل)، فهي العصب الحساس الذي تضغط عليه التصريحات الإيرانية، فتئن أمريكا، وهي الولد المدلل الذي يحاول حلفاء أمريكا أن يبعدوه عن دائرة الصراع، لذلك جاءت تهديدات نتانياهو بضربة ساحقة مؤلمة لمن يهاجم (إسرائيل) بلا قيمة، وجاءت لتؤكد محدودية القوة الإسرائيلية أمام قوة أمريكا، وضيق يد القدرة الإسرائيلية أمام الأذرع الأمريكية المنتشرة في المنطقة، والتي وقفت مشلولة أو عاجزة أمام الصواريخ التي تساقطت على القواعد الأمريكية.
أزعم أن تهديدات نتانياهو لم تصدر بهدف إخافة إيران، فهو يعرف أن إيران التي لم تعمل حساباً للقوة الأمريكية، لن ترتجف من تهديدات (إسرائيل)، تهديد نتانياهو جاء ليرعب الدول العربية، ويحافظ على سطوته التي أعطت لـ(إسرائيل) كثيراً من الامتيازات، لذلك حرص نتانياهو على التفاخر بقوة (إسرائيل)، ويقول: بفضل قوتنا، تشهد علاقاتنا بالعالم العربي والإسلامي تغيرات جذرية، فلم تبق دولة عربية أو إسلامية إلا وعززت تقاربها مع (إسرائيل)!
القوة الإسرائيلية التي فرضت على الدول العربية تغيرات جذرية كما يقول نتانياهو، وفرضت عليهم تحسين علاقاتهم بإسرائيل تطبيعها وتقرباً، هذه القوة لم تعد قائمة ومخيفة كما كانت، وقد لاحت للشعوب العربية فرصة للتحرر من الخوف الإسرائيلي ومن السطوة الأمريكية، ومحاكاة النماذج الرافضة للخضوع والتبعية، تلك النماذج التي مثلتها المقاومة الفلسطينية حين نجحت في تحدي القوة الإسرائيلية، وفرضت معادلة القصف بالقصف، ومثلتها إيران التي نجحت في فرض معادلة القصف بالقصف أيضاً، وتجرأت على ضرب القواعد الأمريكية في المنطقة.
توازن الرعب، أو توازن القوة، أو التعادل في الميدان بين إيران وحلفائها من جهة، وبين أمريكا و(إسرائيل) من جهة أخرى، هذا التوازن في القدرة له ارتداداته على الشعب الإيراني الذي زادت ثقته بنفسه، وعلى الشعب العراقي الذي اكتشف أنه يعيش تحت الاحتلال الأمريكي، وعلى الإسرائيليين الذين ستهز ثقتهم بالمستقبل الآمن، وسيبعث توازن القدرة برسائله السياسية والعسكرية والثقافية إلى دول المنطقة، ليحض على تأسيس تحالفات جديدة، ويدفع باتجاه تحركات شعبية عميقة، تلتفت إلى حاجة الأمة العربية إلى الكرامة والثقة بالذات، وهذا ما سيعبر عنه قريباً شباب الأمة العربية بشكل عام، وهم يتابعون الأحداث، ويراقبون المتغيرات، ويكتشفون أن القوة الإسرائيلية التي كانت لا تقهر قد قهرت، وأن القواعد الأمريكية المنزهة عن القصف قد قصفت، وأن هيبة أمريكا و(إسرائيل) التي كانت ضد الكسر قد كسرت، وأن الخنوع للإملاءات الإسرائيلية ليس من سنن الحياة، وأن الخضوع لمنطق العجز ليس قضاءً لا مفر منه، شباب الأمة ونسائها ورجالها وصباياها يراقبون، ويسجلون انطباعاتهم عميقاً، وهم يتحفزون لرسم خريطة سياسية جديدة للمنطقة.