ما دام عام 2019 هو الأسوأ فلسطينياً، فهو العام الأسوأ عربياً بكل تأكيد، لأن الواقع العربي ينعكس على أرض فلسطين انقساماً واستيطاناً، فالصراعات العربية التي تعسف برياحها اللافحة حياة الفلسطينيين، هي نفسها الريح التي تسقط أمطارها الناعمة أمناً وسلاماً على حياة الإسرائيليين.
في سنة 2019 توسع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية بنسبة 70% عن العام الذي سبقه، وما كان هذا التوسع الاستيطاني ليتحقق لولا شعور الإسرائيلي بالأمان في شوارع الضفة الغربية التي زاد فيها عدد الحواجز الإسرائيلية 38 حاجزاً إضافياً سنة 2019 ليصبح عدد الحواجز 888 حاجزاً، كما ذكر ذلك مركز أبحاث الأراضي الذي قال: إن نسبة السيطرة على أراضي الضفة الغربية هي دونم للفلسطينيين مقابل دونم للمستوطنين. وهذه المساواة في ملكية أرض الضفة الغربية مؤشر على فقدان الأرض عملياً، والأخطر يتمثل في سيطرة اليهود على 7.5 دونمات في القدس مقابل دونم واحد للفلسطينيين!
ويشير تقرير مركز أبحاث الأراضي إلى أن الاحتلال هدم 648 مسكناً ومنشأة فلسطينية في الضفة الغربية عام 2019، وصادر حوالي 68 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، ودمر حوالي 3553 دونماً أخرى، واعتدى على 15,670 شجرة معظمها أشجار زيتون، وأنشأ اليهود 6 بؤر استيطانية جديدة، وصدّق على 40 مخططاً استيطانياً، وأعلن عن إيداع 26 مخططاً آخر من أجل توسيع 47 مستوطنة.
فإذا انتقلنا من الأرض إلى الإنسان، نكتشف أن الإسرائيليين قتلوا خلال العام المنصرم 149 فلسطينياً خلافاً للجرحى، منهم 112 شهيداً في غزة التي لم تتوقف فيها المواجهات والقصف اليومي، وعدد 37 شهيداً في الضفة الغربية التي تشهد حالةَ هدوء وعدم مواجهة، وتنسيقا أمنيا، فإذا انتقلنا إلى عدد المعتقلين نكتشف أن الإسرائيليين قد اعتقلوا حوالي 5000 فلسطيني في عام 2019، معظمهم من الضفة الغربية، بمعدل 14 معتقلاً كل ليلة اقتحام لمدن الضفة الغربية ومخيماتها وقراها.
وقد واصل عام 2019 فرض أوجاعه على الفلسطينيين من اقتحام 31 ألف يهودي متطرف للمسجد الأقصى، في حين بلغ عدد المقتحمين للمسجد الأقصى قبل عشر سنوات ستة آلاف مقتحم فقط.
كل ما سبق من معاناة فلسطينية، ومن ضياع للأرض لا علاقة له بالانقسام على الساحة الفلسطينية. المعاناة السابقة ترتبط ارتباطاً مباشراً بالسياسة التي تنتهجها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي تقوم على تقديس التعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية، في الوقت الذي انعكس فيه الانقسام مزيداً من الوجع الاقتصادي على سكان قطاع غزة، فقد زادت البطالة وتعطلت التجارة، وتجمد تطور المرافق الحياتية رغم المساعدات المالية التي تقدمها قطر، وقد تراجع مستوى الالتحاق بالتعليم الجامعي، وزاد عدد الخريجين بلا عمل، واضطربت الحياة الاجتماعية إلى حد ما، ولكن دون أن يخسر الفلسطينيون في غزة شبراً واحداً من الأرض، ودون أن يقتحم الجيش الإسرائيلي مدينة واحدة أو طرف مخيم، ودون أن يقيم حاجزاً واحداً داخل غزة التي اكتفى بمحاصرتها براً وبحراً وجواً.
نحن الفلسطينيين نستقبل عام 2020 والأمنية أن تفتح البلاد العربية صفحة جديدة من الديمقراطية وحرية الرأي، ومن وضوح الرؤية في تحديد قائمة الأعداء والأصدقاء، لينعكس ذلك على حياة الشعب الفلسطيني ثباتاً وثقة، وطلباً لحرية الأرض والإنسان، وبلا انقسام، وبلا مكابرة كانت نتائجها مدمرة للبشر والحجر في الضفة الغربية أكثر من قطاع غزة.