من الواضح أن أجهزة أمن المقاومة في غزة هدفت للكشف عن بعض من تفاصيل اغتيال أبو العطا لكسر الصورة النمطية لضباط الأمن الإسرائيليين وأدواتهم المحلية، وتبديد نموذج "السوبر" المأخوذ عنهم، وفي الوقت ذاته تعزيز الثقة بقدرات المقاومة في جهدها الاستخباري، رغم أننا أمام حالات جديدة يُفرَج فيها عن تسجيلات وصور ووثائق سرية.
ليس سراً أن الأمن الإسرائيلي تابع معنا، ومن المتوقع أن يكون في حالة تعطش لأي معلومة تحتفظ بها المقاومة، خشية على مصادره التجسسية، لكنهم يقرؤون السلوك الأمني الجديد بغزة بالكشف عن معلومات أمنية حساسة بأنه إمعان منها في تحديها المخابرات الإسرائيلية.
يبدو أن أجهزة الأمن الحكومية والتابعة للمقاومة تواصل عصر حبة الليمون حتى الرمق الأخير ضمن حربها النفسية الموجهة ضد (إسرائيل)، بإظهار معلومات بـ"القطارة" حول ما حصل بالضبط في اغتيال أبو العطا، ما سيدفع لمزيد من التخبط في أجهزتها الأمنية وشريكتها التابعة للسلطة الفلسطينية.
كما أن هدف الأمن في غزة من كشف تفاصيل اغتيال أبو العطا متابعة المزيد من التحركات لبعض العناصر الأمنية العميلة في القطاع، التي قد تخشى أن تصلها يد الأمن، والاستفادة من ردود فعلها، لعلها تحصل على مزيد من المعلومات، ما يعني أننا أمام حرب عقول استخبارية وتكنولوجية من العيار الثقيل، تجري على مدار الساعة.
لا تخفي أجهزة الأمن في غزة أن هدفها الأساس من هذا الكشف هو إحراج (إسرائيل) وأدواتها المحلية القذرة، وأن ما كان عملية سرية كُشف، وما كان مخفياً أزيل الستار عنه، من خلال التعرف على هويات الأفراد المشاركين في متابعة الشهيد، ورصده، وتجميع ملفه الخاص بالاغتيال والتصفية.
من المتوقع أن يسفر كشف هذه المعلومات الأمنية عن طرح جملة تساؤلات إسرائيلية وأخرى داخل أمن السلطة الفلسطينية، قد لا تكون عبر الإعلام، لمعرفة ما الذي حصل بالضبط، وأين وقع الشرخ، ومعرفة الثغرات والسقطات التي وقعت فيها المخابرات، وهل هناك اختراق لأمن المقاومة لبعض هذه المصادر، وما الذي يضمن ألا يكون لديها المزيد من المعلومات التي قد تهدم المعبد على رؤوس أصحابه!
أختم سطوري هذه بعبارة للجنرال الفرنسي نابليون بونابرت حين قال إن عميلا واحدا في مكانه الصحيح يساوي 10 آلاف مقاتل في ساحة المعركة، وهذه عبارة تؤكدها المعلومات الأمنية التي كشفت جانبا واحدا فقط من تفاصيل اغتيال أبو العطا، فقد بات واضحا أن المخابرات الإسرائيلية تستعين بأدواتها القذرة من عملاء "ثقيلي العيار"، أوجدت منهم "طابوراً"، حتى يظن الواحد منهم أنهم يؤدي مهمة وطنية لمشغله القابع هناك، وسواء علم أو لم يعلم، أن ذلك المشغل يؤدي أدوارا أكثر قذارة للمعلم الكبير في (تل أبيب)!