لا تتوقف سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن ابتكار طرق مختلفة واستغلال الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، لإسقاطهم في مستنقع التخابر معها، في إطار محاولاتها المتواصلة لجمع معلومات عن أنشطة المقاومة. وفي المقابل، تعمل الأجهزة الأمنية والأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية على إفشال كل محاولات أجهزة المخابرات الإسرائيلية، عبر ملاحقة العملاء والجواسيس وإطلاق حملات "للتوبة" في فترات متقاربة.
فالمخابرات الإسرائيلية تسعى للحصول على معلومات مختلفة، سواء أمنية أو عسكرية، خاصة التعرف على مقدرات المقاومة التسليحية، لذلك يسعى ضباط المخابرات الإسرائيلية للتواصل مع مختلف الشرائح الفلسطينية، عبر أسماء وهمية بغرض جمع معلومات متنوعة، كل في مجاله، ويستهدف منها ضرب صمود الشعب الفلسطيني، خاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة في 2005، وتراجع تأثير (إسرائيل) الاستخباري بسبب قلة التواصل المباشر بين العملاء ومشغليهم.
ويحذر المختصون باستمرار حول الدور الخطير الذي يقوم به "مكتب المُنسق الإسرائيلي" عبر استغلاله كغطاء للحصول على المعلومات، واستخدامه في عمليات إسقاط وتجنيد العملاء، بالتواصل المباشر مع شرائح مختلفة من الفلسطينيين: كالمرضى، والطلبة، والتجار، ورجال الأعمال، والصحفيين والمثقفين، عبر الاتصال الهاتفي، ويتم ابتزاز أصحاب الحاجات المُلحة، ومقايضتهم بالحصول على المعلومات، مقابل منحهم تصاريح السفر والعمل والدراسة والعلاج، كمُقدمة لاستدراجهم نحو مستنقع العمالة.
ولعل أهم ما تعتمد عليه دولة الاحتلال من وسائل مضمونة في تغذية أجهزتها الاستخباراتية وجمع المعلومات لملاحقة المقاومة الفلسطينية هم الجواسيس عن طريق شخصيات مهمة ومتنفذين في المجتمع الفلسطيني، وبذلك تركز على تجنيد أكبر عدد ممكن من العملاء في المناطق الفلسطينية، وهو ما يعد أقل تكلفة وأسرع في أداء المهام والأكثر دقة في تنفيذ الأهداف العدوانية، وهذا اعتراف من آفي ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الأسبق والذي شغل في الماضي منصب رئيس جهاز "الشاباك".. أي أنه يعتمد اعتمادًا كليًا في جمع المعلومات على المصادر البشرية المتعاونة معه، لأنها تكون في الغالب –حسب قوله- لديها معلومات حيوية وأكيدة يمكن الاعتماد عليها مائة بالمائة أكثر من المعلومات التي يمكن الحصول عليها بالوسائل الإلكترونية كأجهزة التنصت والكاميرات المرتبطة بالأقمار الصناعية، التي تحتاج إلى الرجوع أيضا إلى العملاء للتفسير والاستفسار والتأكيد. وبالتالي تستغل سلطات الاحتلال الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني والارتباط بها بما تقتضيه المصلحة العامة والخاصة، لكونها محتلة للأراضي الفلسطينية من أجل مساومة البعض من وابتزازهم من أجل دفعهم إلى التعاون مع مخابراتها.
صحيح أن المخابرات الإسرائيلية فشلت في ابتزاز معظم الذين حاولت مساومتهم ليصبحوا عملاء، إلا أن احتكارها للقوة والنفوذ دفع البعض من ضعاف النفوس للسقوط في براثن العمالة، وأصبحوا أدوات رخيصة وطيعة في أيديهم، بهدف زرع عامل الخوف والانقسام في المجتمع الفلسطيني وإقصاء هؤلاء العملاء عن النهج المقاوم للاحتلال.
معروف أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تستخدم معايير غير أخلاقية ووسائل قذرة في تجنيد العملاء من بين الفلسطينيين، وهو ما يعتمده "الشاباك"، في استدراج الشباب الفلسطيني إما بالإسقاط المباشر عن طريق شبكات تنظيم العملاء بممارسات غير أخلاقية، وبعد ذلك يقوم عناصر "الشاباك"، بتخييرهم بين العمالة، أو الفضيحة، أو استعمال وسائل أخرى كالحاجة للحصول على تصاريح العمل، أو العلاج، أو السفر للخارج من أجل الزيارة أو مواصلة التعليم أو التجارة، إلخ، وهذه الأمور مرهونة بموافقتها، حتى تستطيع مساومتهم وابتزازهم لإجبارهم على التعامل مع أجهزتها الاستخباراتية سواء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو خارجها.
كما أن الاستخبارات الإسرائيلية منذ زمن طويل جندت أعدادًا من العملاء والمسوقين وسماسرة الأراضي ومزيفي العقارات الفلسطينية لصالح الجمعيات اليهودية لإنشاء المستوطنات عليها في الضفة الغربية إضافة لبصماتهم السوداء في تهويد مدينة القدس وتهجير المواطنين المقدسيين. لكن رغم ما يقال ويشاع حول عبقرية الاستخبارات الإسرائيلية في بلوغ أهدافها، وهو بمنزلة هراء، ودعاية نفسية تسوقها شبكات العملاء أنفسهم، لتخيف وترعب بها المقاومة بهدف النيل من معنوياتها وصمودها.
وتعتبر أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية هذه الدعاية النفسية وسيلة ردع ناجعة أكثر من وسائل الردع الحربية. لكن تبقى الحقيقة خير برهان بأن المقاومة الفلسطينية هي الرادع الحقيقي لعملاء أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وخير دليل هو تراجع أعداد العملاء في قطاع غزة في هذه السنة عن السنوات السابقة– حسب ما أعلنته مجددا وزارة الداخلية في غزة– بسبب ملاحقتها المستمرة لشبكات العملاء وعملها الدؤوب في تفكيكها بعد اختراقها.
لقد أكدت قوى المقاومة أن ما ألحقه الاحتلال بكوادرها من قتل وسفك للدماء، لم يتحقق إلا بمعاونة العملاء، فهم عيونهم الذين يدلونهم، يكشفون لهم عن سيارات المقاومين وبيوتهم، وكيف يتنقلون، وغير ذلك مما صار معلومًا، وأشارت بياناتها إلى أنها "لن تفضح أمر العملاء الذين يقررون العودة إلى جادة الصواب، بل والعمل على دمجهم بالمجتمع"، لذلك هم مدعوون اليوم قبل غد إلى العودة إلى حضن شعبهم.