كغيري من عشرات آلاف الفلسطينيين الذين تابعوا في الساعات الأخيرة ما أعلنته الأجهزة الأمنية في غزة عن كشف بعض تفاصيل عملية الاغتيال الإسرائيلية للشهيد بهاء أبو العطاء في نوفمبر، ما قد يعد استمرارًا للمواجهة الأمنية الدائرة بين أجهزة أمن المقاومة والاحتلال على ساحة غزة.
فما فتئ الفلسطينيون ينتهون من متابعة أحداث فيلم "سراب"، وقبلها "حد السيف"، حتى جاء الدور على اعترافات الخلية المتورطة في اغتيال أبو العطا، وإن كانت المعلومات الأمنية الخطيرة التي أوصلوها إلى مشغليهم مباشرة في رام الله، لكنها وجدت طريقها إلى "المعلم الكبير" في تل أبيب، من خلال جهاز الشاباك.
من الواضح أننا أمام سلوك جديد غير معهود لأجهزة أمن المقاومة في غزة، حكومة وتنظيمات، تتمثل في كشف مزيد من عملياتها السرية التي تخوضها مع إسرائيل بعيداً عن الإعلام، الأمر الكفيل بإحداث زلزال في المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، لأنها قد تكون من المرات النادرة التي يُكتشَف فيها أمر وتفاصيل وحيثيات هذا الاغتيال خلال شهر من تنفيذه.
لم يُعهد على المقاومة خلال السنوات الماضية أن تداولت مثل هذه المعلومات السرية الحساسة عبر وسائل الإعلام، بل بقيت حبيسة الصدور حتى يومنا هذا، وهو أمر مشروع ومتفهم في ظل صراع أمني حامي الوطيس تخوضه مع أجهزة الأمن الإسرائيلية.
لكن الاستدارة المفاجئة التي قامت بها بالإفراج عن هذه المعلومات يطرح تساؤلات حول التحول في سياستها الأمنية: فهل تريد المقاومة من خلال أجهزة أمن الحكومة في غزة تهشيم صورة المخابرات الإسرائيلية المتضررة أصلاً؟ أو تحاول ترسيخ صورتها النمطية لدى الرأي العام الفلسطيني كقوة أمنية محصنة تسجل نقاطاً على إسرائيل؟
من الأكيد في الاغتيالات والتصفيات الجسدية أنه يسبقها جهد أمني حثيث لجمع معلومات أمنية واستخبارية، ويأتي الكشف عن تفاصيل ما تم تناقله من معلومات أمنية واستخبارية حساسة بين غزة ورام الله وتل أبيب ليحمل جملة رسائل موجهة إلى مسارات داخلية وخارجية عدة.
من الواضح أن ما كشفت عنه أجهزة الأمن في غزة من معلومات تعتبر إحدى أوراقها القوية في حرب العقول التي تخوضها مع إسرائيل، ولئن كُشف عن تفاصيل اغتيال أبو العطا، وقبلها عمليتا "حد السيف" و"سراب"، فهي ليست أولى العمليات، ولن تكون الأخيرة في إطار الصراع الممتد بين الجانبين، وكجزء من المعركة الخفية المستمرة مع إسرائيل.
أكد كشف هذه المعلومات عن قدرة أمن المقاومة على التعاطي المبكر مع عملية الاغتيال، مما يعكس تفوقاً أمنياً واضحاً، نجح بكشف النوايا والمخططات الإسرائيلية، رغم التطلع القادم بالنجاح في إحباطها، ويكشف هذا الإنجاز الأمني عن القدرات العالية لدى الطاقم العامل بأجهزة أمن المقاومة.