من بيوت حي الزيتون بمدينة غزة انطلقت الفكرة، ومن عيلبون الحبيبة انطلقت الرصاصة في الأول من يناير عام 1965، هي حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، انطلقت لهدف التحرير، وقدمت الغالي والنفيس لتحقيق الهدف، فهي حركة الشهداء والأسرى والجرحى، هي من أعاد معاني النصر بعد هزيمة حزيران 1967، هي حركة الرئيس الشهيد ياسر عرفات وخليل الوزير أبو جهاد وأبو إياد وغيرهم المئات بل الآلاف.
نستذكر في ذكرى انطلاقة "فتح" عملية عيلبون والكرامة وغيرها، ولكن حركة "فتح" هي مجموعة من البشر ولا قدسية لغير الله، فمسيرة خمسة وخمسين عاماً أصابت فيها "فتح" وأخفقت، فأين أصابت وأين أخفقت ؟.
• نبذة تاريخية
عندما قام القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي بالتفكير في تحرير بيت المقدس، التف العرب والمسلمون حوله، وقاتلوا كتفاً بكتف إلى جانبه، وبعد وفاته أصبح اهتمام الدولة الأيوبية بالحكم والسلطة والمال والجاه، فانفضوا الناس من حولها، وسقطت الدولة الأيوبية.
في الأول من يناير من العام 1965، قامت حركة "فتح" بنسف نفق عيلبون في أول عملية عسكرية لها في الأرض المحتلة ليلة الجمعة أول كانون الثاني عام 1965. وبهذا كانت الشرارة الأولي لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة.
وفي هذا العام نتذكر ونترحم على بطل تدمير نفق عيلبون الشهيد أحمد موسى إبراهيم الدلكي أول شهيد لحركة "فتح".
بعد عملية عيلبون وانطلاق الثورة الفلسطينية التفت الجماهير الفلسطينية والعربية حول حركة "فتح"، لتصبح الحركة الأكبر، والسواد الأعظم من الشعب الفلسطيني، في إشارة واضحة أن الشعوب تبغض الاحتلال وترغب في مقاومته، وتحتضن من يقود تلك المهمة.
• إنجازات فتح:
أعتذر من قرائي الكرام بأن خمسة وخمسون عاماً لا نستطيع أن نجمل كل الإنجازات أو الإخفاقات ولكننا نجتهد لعلنا نغطي الإنجازات الأكثر أهمية.
1- من أهم إنجازات "فتح" أن أعلنت عن انطلاقتها عبر عملية عيلبون العسكرية، بما يؤكد صوابية النهج العسكري في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
2- حافظت على الهوية والكينونة الفلسطينية، في وقت سعت بعض الدول إلى تذويب هذه الهوية.
3- دعمت صمود اللاجئين الفلسطينيين في الشتات.
4- حافظت على النظام السياسي الفلسطيني عبر تعزيز المؤسسات السياسية الفلسطينية وبناء أركان الدولة الفلسطينية.
5- خففت من هول هزيمة حزيران 1967م ، وحاربت التطبيع مع دولة الكيان.
6- صمودها الأسطوري في بيروت بعد حصار كبير وقاسي.
7- فضح الاحتلال الإسرائيلي في المحافل الدولية.
8- قيادة "فتح" للقيادة الوطنية الموحدة في الانتفاضة الأولى عام 1987، وقيامها بجانب الفصائل الأخرى بتلقين العدو دروساً قد لا ينساها من العمل المقاوم.
9- تشكيل خلايا كتائب شهداء الأقصى والقيام بعمليات نوعية ضد الاحتلال في انتفاضة الأقصى.
10- في عهد "فتح" قامت أول انتخابات ديمقراطية نزيهة (2006م) شهد لها القاصي والداني.
• إخفاقات فتح:
1- هيمنت حركة "فتح" على منظمة التحرير الفلسطينية، واستحوذت على القرار السياسي الفلسطيني وعلى المؤسساتية السياسية الفلسطينية.
2- شخصانية النظام السياسي الفلسطيني، وغياب الديمقراطية عن مؤسسات المنظمة، وتداعيات ذلك على المشاركة السياسية، وصناعة القرار السياسي.
3- تدخل منظمة التحرير خلال مسيرتها - والتي تهيمن عليها "فتح" - في شؤون داخلية للدول العربية.
4- تدخل زعيم "فتح" الرئيس ياسر عرفات في أزمة الخليج وموقفه الداعم للرئيس صدام حسين في احتلال الكويت، والذي دفعت ثمنه المنظمة (بالإضافة إلى أسباب أخرى) عبر توقيع اتفاق أوسلو.
5- توقيع اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية على الرغم من بعض الإيجابيات الموجودة بالاتفاق، إلى أن انتقال "فتح" من مربع المقاومة إلى مربع السياسة في ظل استمرار الاحتلال والظروف الإقليمية والدولية المحيطة يشكل اخفاقاً للمنظمة ومن خلفها فتح كونها تهيمن على مؤسسات المنظمة.
6- ذوبان "فتح" داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية والتي شابها الفساد والترهل والمحسوبية، ألقى بظلاله على مؤسسات الحركة فغابت وذابت داخل بوتقة السلطة الفلسطينية.
7- برنامج "فتح" الانتخابي في انتخابات الرئاسة، والذي غيب عسكرة الانتفاضة في ظل وجود احتلال قمعي غاصب.
8- قبول "فتح" بتدخلات إقليمية ودولية في نتائج الانتخابات التشريعية 2006 مما دفع بتفاقم الأمور بين الأخوين الشقيقين فتح وحماس.
9- تجاوز "فتح" للدستور الفلسطيني وعدم احترام القوانين الفلسطينية، وتسخير طاقات منظمة التحرير الفلسطينية لقضايا خلافية داخلية، وغياب مؤسسات "م.ت.ف" عن القضايا الجوهرية.
10- حسم حركة "فتح" لمواقفها السياسية بما يتناسب ويتواءم مع محور ضد محور آخر، مما يدخلها أو سيدخلها في صراعات عربية، حركة "فتح" في غنى عنها كونها حركة تحرر وطني.
11- أخفقت حركة "فتح" في مؤتمرها السابع في لم شمل الحركة وتوحيدها.
12- عدم فصل منصب رئيس حركة "فتح" عن مناصب رئيس السلطة والمنظمة ما يكلف الحركة وزر كل أخطاء السلطة والمنظمة.
الخلاصة:
حركة "فتح" تحتاج إلى مراجعة شاملة، تصوب الإخفاقات وتكرس الإنجازات، وتعيد اللحمة إلى الوطن، وتنهي الانقسام عبر توافق وطني فلسطيني، وتعود إلى برنامجها التي انطلقت من أجله، فالاحتلال ما زال مستمراً، ورئيس السلطة الفلسطينية الأمين العام لـ"فتح" محمود عباس أعلن في أكثر من مناسبة فشل المفاوضات، وعدم التزام إسرائيل بالاتفاقيات، فأين تسير "فتح" الآن؟ هل تساهم في إحياء منظمة التحرير الفلسطينية عبر العودة إلى برنامجها وميثاقها الأول فتعود جماهيرية المنظمة و"فتح"، أم تبقى متمسكة بخيارات أثبتت فشلها من أجل المحافظة على بعض الإنجازات الشخصية وعلى رواتب موظفين يتم دفعها مقابل سلطة ذات دور وظيفي أمني…؟