فلسطين أون لاين

​المسافرون عبر "بيت حانون" بين المساومة والموافقة المتأخرة

...
صورة أرشيفية
غزة - يحيى اليعقوبي

أحمد حسن شبير (17 عامًا) شاب من قطاع غزة ولد ولديه تشوهات خلقية بالقلب، خضع لعدة عمليات قلب مفتوح ناجحة كان آخرها عملية عام 2007م، لكن تفاقم حالته الصحية أخيرًا تطلب إجراء عملية طارئة لزراعة صمامات جديدة بالقلب وتغيير القديمة، بعد أن بدأت تلك الصمامات تعيد الدم إلى القلب الذي هدد حياته.

حدد والد أحمد مع المستشفى الإسرائيلي الذي أجرى له العمليات السابقة في الداخل المحتل (تل هشومير) الموعد الأول في 10 أيلول (سبتمبر) 2016م، ولكن جاء الرفض الأمني من الاحتلال، ثم حدد موعدًا جديدًا في 10 تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه، ورفض كذلك.

لم ييأس والد أحمد أمام حالة ابنه الطارئة، فحدد موعدًا في 3 تشرين الثاني (نوفمبر)، لكن في هذه المرة أبلغ أن المخابرات عند حاجز بيت حانون (إيرز) تريد مقابلة أحمد في 16 نوفمبر.

وعند الحاجز المذكور بعد مدةٍ طويلة من الانتظار استمرت عدة ساعات بدأ ضابط المخابرات يستفسر عن معلومات أحمد الشخصية، ثم عرض له صور أشخاص من جيرانه، سأله: "بتعرف هدول؟"، كان رد أحمد سريعًا: "لا، ليش بتسأل؟".

كان الضابط صريحًا في طلبه:

- بدنا تتعاون معنا عشان نسمحلك تكمل العلاج.

قطع أحمد الطريق على ذلك الضابط: "أنا إنسان مريض مليش بهيك شغلات، دوبي صحتي ودراستي".

استمر الضابط في محاولات الاستفزاز: "إذا بدكاش تتعاون راح نمنعك من السفر"، لم يغير التهديد صلابة موقف أحمد: "بدكم تمنعوني، العمر بيد الله".

استمر ذلك الضابط في عدم مراعاته لحالة أحمد الطارئة، مستغلًّا الظرف الذي يمر به.

الضابط: "خلص خلي أطباء غزة يعالجوك؛ ملكاش علاج عنا".

أحمد: "إلي الله، إذا بدك تساومني على صحتي بفضل أموت بغزة على أن أتعاون معكم".

عاد أحمد، حسبما يكمل والده لنا، وجدد الموعد في 8 كانون الأول (ديسمبر)، لكن كان الرفض الأمني بناءً على رفض أحمد التخابر مع الاحتلال، ظل المنع مستمرًّا وتوفي أحمد في 14 كانون الثاني (يناير) الماضي.

كان أحمد نشيطًا، والأول على فصله الدراسي، يستعد إلى امتحانات الثانوية العامة (الفرع العلمي)، ويحب مساعدة الآخرين، كان يتحمل الألم ويذهب إلى المدرسة حتى آخر أيامه، يقول والده: "لو سمح له بزراعة الصمامات؛ فكان سيؤدي ذلك إلى تحسن حالته".

رحل أحمد الذي تمنى أن يدرس الطب ليخفف من آلام المرضى، بعد ابتزاز الاحتلال له وهو على فراش الموت، يعرب والده عن أمله في أن يكون ابنه آخر ضحايا الحصار، فيضيف: "صعب أن تفقد ابنك وهو يموت أمام ناظريك، خاصة أن علاجه فقط في المستشفيات الإسرائيلية، ولا يستطيع أي طبيب علاجه بغزة".

أما سحر القاروط _وهي امرأة متزوجة من مدينة غزة_ فكان ابتزازها من نوع آخر، وهو عدم الاكتراث لحالتها الصحية، فهي كانت تعاني من مشاكل بالكلى أدت إلى تسمم الدم بجسمها، واحتاجت إلى إجراء عملية طارئة لسحب الدم كله من جسدها، وتعويضها تلقائيًّا بواسطة جهاز موجود بمستشفى في مدينة القدس.

كان 21 أيلول (سبتمبر) الماضي فارقًا في حياتها، إذ وصلت إلى حاجز بيت حانون (إيرز) بعد تأخير ومماطلة من قبل الاحتلال استمرا ثلاثة أيام، في ساعات النهار الأولى ظلت تنتظر على الحاجز مدة ساعتين، ثم أخبرها الأطباء أن تعود إلى قطاع غزة لخطورة وضعها الصحي، إن بقيت هناك، فعادت إلى المستشفى الإندونيسي شمال القطاع.

وبعد ثلاث ساعات تلقت سحر اتصالًا بأنه سيسمح لها بمغادرة الحاجز، لكنها أيضًا تأخرت على حاجز بيت حانون ساعتين، ولما وصلت إلى المستشفى كان الأوان قد فات، ففارقت الحياة بعد أربع ساعات من وصولها.

معوقات

المحامي في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان محمد بسيسو يبين أن أبرز المعوقات الإسرائيلية على حاجز بيت حانون تتمثل بتأخير الرد على الطلبات التي يقدمها المركز، والمماطلة، وعدم الاهتمام والاكتراث للمواعيد المحددة سلفًا من قبل المريض والطبيب وغرف العمليات.

ويضيف بسيسو لصحيفة " فلسطين": "يقوم الاحتلال بالمنع أيضًا لأسباب عائلية، تتمثل بوجود أحد أقارب المرضى بالضفة أو الداخل المحتل دون تصريح، فيمنع المريض على إثر ذلك".

ويكون المنع أيضًا _حسبما يتابع_ لأسباب أمنية تتعلق بالفرد نفسه، أو بذريعة أن العلاج متوافر بغزة.

وذهب للإشارة إلى أنهم خلال عام 2016م قدموا 1040 طلبًا إلى الاحتلال الإسرائيلي لحالات مرضية، مبينًا أن الاحتلال سمح بإدخال 418 من أصحاب الطلبات، ورفض 455 طلبًا، وظلت 167 ملفًا قيد المتابعة لدى المركز مع الاحتلال.

ويذكر أن جميع من يمرون من حاجز بيت حانون إما يمرون بسلام، أو يؤخرهم الاحتلال، أو يخضعهم للمقابلة مع مخابراته، أو يسحب التصريح بمجرد المرور، مبينًا أن الاحتلال يعمد إلى استغلال حاجات المرضى في بعض الحالات بالضغط عليهم، وتأخيرهم لأسباب أمنية.

لكنه يلفت إلى أن هناك تغييرًا بسياسات الاحتلال التي كان يعمل بها على الحواجز، مبينًا أنه رفع سن الفحص الأمني إلى 55 عامًا، بعد أن كان في السابق الذي يتجاوز سن 35 عامًا لا يحتاج لفحص.

ويشير إلى أن المرور من الحاجز لتعليم أو سفر أو علاج يحتاج إلى تصريح جديد لكل حالة، على خلاف ما كان في السابق إذ كان التصريح الواحد يكفي لكل الأنواع المذكورة، لافتًا إلى أن خطوة الاحتلال القادمة هي الإغلاق الجزئي لحاجز بيت حانون يوم الجمعة.

مزاجية العمل

مصدر الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية فضل عدم الإفصاح عن اسمه، قال: "إننا نخضع في العمل لمزاجية العقل الإسرائيلي في التعامل مع الجانب الفلسطيني"، مبينًا أن حاجز بيت حانون يستخدمه الاحتلال لتنفيذ سياسته ومخططاته.

وأضاف المصدر لصحيفة "فلسطين": "هناك أربع شرائح مهمة يضغط عليها، وهي المرضى والتجار والحالات الإنسانية، وبعض المنظمات المحلية والدولية"، مبينًا أن هناك تعاملًا جديدًا من قبل الاحتلال مع غزة منذ بداية العام الماضي، وقال: "الذي سمح بذلك ضعف السلطة الفلسطينية، وعدم وجود مفهوم يحدد العلاقة مع الارتباط الإسرائيلي".

وذكر أن آلية تقديم الطلب تخضع للشروط والموافقات الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن عمليات التنقل اليومي تبلغ (450 مغادرة، و450-500 حالة عودة)، في حين تبلغ حالات المغادرة أسبوعيًّا نحو 3400 مغادرة والعدد نفسه للعودة.

وبين المصدر أن الاحتلال يحاول الحفاظ على رقم المغادرة، ولكن مع اختلاف شرائح المغادرين، كالسماح لعدة أفراد بمغادرة غزة إلى الضفة لحضور فرح، وفي الوقت نفسه يمنع إصدار تصاريح مهمة لجهات دولية.