لن أبحث عميقاً بالقواسم المشتركة التي يلتقي على حياضها الأبطال، ولن أتحدث عن القواسم المشتركة للمعتدين في كل زمان ومكان، ولن أقدم بحثاً عن السمات الشخصية التي ميزت الرجولة والشموخ في حياة المقاومين للأعداء، ولن أهمس بكلمة ضد أولئك الذين ارتضوا المذلة والمهانة، ووضعوا يدهم في يد الأعداء، سأتحدث في مقالي هذا عن قاسم مشترك وحيد، يحمل الكثير من العظة والحكمة والموعظة السياسية.
فالشهيد عمر المختار مقاوم عربي ليبي، وقف في وجه العدوان الإيطالي ضد ليبيا، قاتل رجلاً، وارتقى شهيداً سنة 1931، لم يتخاذل أمام أعدائه، ولم يهن، ولم يمد يده العربية الأبية طلباً للإحسان والرحمة من عدوه.
والشهيد عمر القاسم مقاوم عربي فلسطيني، وقف في وجه العدوان الإسرائيلي ضد أرض فلسطين، قاتل رجلاً، وارتقى شهيداً في السجون الإسرائيلية سنة 1989، لم يتخاذل أمام أعدائه، ولم يهن، ولم يمد يده العربية الأبية طلباً للإحسان والرحمة من عدوه.
فهل المقاومة للمحتلين هي القاسم المشترك بين الرجلين؟ أم الارتقاء شهيدا هو القاسم المشترك؟ أم أن تشفي الأعداء بهم هو القاسم المشترك، ما هو السر الذي التقى عليه الرجلان، وميز مسار حياتهما المقاوم؟
لقد رفض عمر المختار ما عرضه عليه القائد الإيطالي سشياياني سنة 29، من هدنة ومسالمة للمحتلين الإيطاليين، يدين فيها عمر المختار الإرهاب، ويعترف بالاحتلال الإيطالي، ويتعهد بعدم القيام بأي أعمال مقاومة ضد الإيطاليين، وفي المقابل يقبض عمر المختار ألف ليرة عن كل بندقية يسلمها، ويتم توظيف خمسة آلاف رجل من أتباع عمر المختار، يحملون السلاح، ويتسلمون رواتب شهرية من المحتلين، ويقيمون في مقرات ومراكز أمنية متفق عليها مع المحتلين، ليتمتع هؤلاء الرجال داخل ليبيا بامتيازات استثنائية ( VIP بلغة هذه الأيام) وأن يخصص راتب تقاعدي كبير لعمر المختار شخصياً.
ورفض عمر القاسم عرض رئيس دولة الكيان الصهيوني اسحاق نافون الذي زاره في السجن، وقال له: يا عمر، أنا وأنت من مواليد القدس، ربما أكبرك بعشرين عاماً، وسياسي مثلك، ولا شك أنك تعرف مكانتي في (إسرائيل). أنا أحترمك سيد عمر، وأريد أن أصل معك إلى حل يرضينا. قال له عمر القاسم: إلامَ تريد أن تصل مع رجل محكوم بالمؤبد في السجون الإسرائيلية؟ قال إسحاق نافون: أريد منك أن تدين الإرهاب علنا، وأن تعترف بدولة (إسرائيل)، وأن تتعهد بعدم القيام بأي نشاط عسكري ضد الجيش الإسرائيلي، مقابل الإفراج عنك والسماح لك بالإقامة أينما شئت حتى في القدس، وسأضمن لك راتباً تقاعدياً كبيراً!
قال الأسير عمر القاسم: يا سيد نافون، أنا أحب الحياة، وأكره السجن، وأحلم بالحرية، ولكنني يا سيد نافون لن أساوم على أرض فلسطين، ولن أخذل شعبي!
لم يساوم عمر المختار على حرية شعبه، ولم يساوم عمر القاسم، وهما حيّان عند ربهما يرزقان.