فلسطين أون لاين

أيديولوجية الإعلام الإسرائيلي تجاه الإعلام الفلسطيني

...
أمنة النواتي
آمنة مضر النواتي

يعايش الإعلام الفلسطيني بيئة معقدة تسيطر عليها بشكل كبير أطراف قامعة تؤثر في الأداء الإعلامي في توصيل الرسالة الإعلامية بحرية تامة، ويشكل الإعلام الإسرائيلي العقبة الأساسية التي تعيق الإعلام الفلسطيني وتؤثر فيه، فلم يقتصر الاحتلال الإسرائيلي على السيطرة السياسية فقط إنما شمل الثقافة، والمعرفة، والإعلام، والفكر، والاقتصاد، والقانون، وجميع مجالات الحياة.

ويسعى الاحتلال الإسرائيلي منذ استعماره (احتلاله) أرض فلسطين لتوظيف وسائله الإعلامية كافة لتحقيق أهداف الكيان الصهيوني مؤكداً أن أرض فلسطين يهودية - ليست محتلة - وأن الإسرائيليين الآن هم امتداد لِبني إسرائيل قديماً والكثير من المصطلحات الإسرائيلية الزائفة .

ولا يخفى على الجميع ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات واسعة للقطاعات كافة, وبالتحديد القطاع الصحفي والإعلامي فلم يتوقف عن الاستهداف المباشر للصحفيين والمؤسسات الصحفية، ومنع المعدات الصحفية من الدخول إلى القطاع، ومنع الوسائل الإعلامية من ممارسة عملها بحرية والتشويش عليها بصورة متعمدة، وانتهاك الحريات الإعلامية للصحفيين والحد من حركتهم وتواصلهم مع العالم الخارجي؛ الأمر الذي أدى لتراجع أداء الإعلام الفلسطيني.

ويجب الحديث من منظور آخر ومركز حيث نستعرض فيه بعض المصطلحات المدسوسة مع شرح لها على النحو الآتي:

  1. (دولة إسرائيل) الكيان الصهيوني
  • أصل المصطلح ودلالاته:

ارتبط مصطلح الصهيونية بالكاتب النمساوي اليهودي ثيودور هرتزل صاحب الدور المركزي لقيام الكيان الصهيوني، الذي تبنى الفكر الأيديولوجي السياسي بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي على أرض فلسطين، وتم ذلك في أواخر القرن التاسع عشر بدعم وتأمين من الدول الغربية وخاصة بعد تزايد العداء الأوروبي للسامية وموافقة الصهاينة لبناء وطنهم القومي على أرض عربية .

  • ارتكز قيام الكيان الصهيوني على أسس عدة منها:

تشجيع يهود العالم على الهجرة إلى أرض فلسطين، وذلك لزيادة أعداد اليهود فيها، وبالرغم من الجهود الحثيثة للكيان الصهيوني والعداء المتزايد للسامية في أوروبا وخاصة خلال الحرب العالمية الثانية إلا أن أعداد العرب فاقت أعداد اليهود على أرض فلسطين في تلك الفترة، إضافة إلى العمل على تهيئة الظروف السياسية من جهة  لطرد العرب الفلسطينيين وتسهيل احتلال الأرض العربية لتهويدها ومصادرة ما يمكن مصادرته ومن ثم إقامة المستوطنات لتغيير الطابع الجغرافي والديموغرافي، ومن جهة أخرى تمكين الظروف الاقتصادية واعتبار الاقتصاد العبري عامل جذب لعدد أكبر من يهود العالم من خلال تحقيق مستويات معيشية مرتفعة ومعدلات نمو عالية وذلك لتحقيق أهداف الكيان الصهيوني .

  • تتلخص أهداف الكيان الصهيوني في تشجيع الهجرة اليهودية إلى (إسرائيل) وتوجيه القادمين من شتات العالم بخطط إستراتيجية محددة الأهداف وصورة منهجية بأبعاد اقتصادية واجتماعية وعلمية، تسعى لدمجهم مع المجتمع الإسرائيلي لسد الفجوة البشرية بينها وبين باقي الدول فيساهم ذلك في تسريع عملية التنمية وتنفيذ خططها داخل المجتمع، وإنشاء حركة صهيونية شعبية للعالم تحمل صورة بمضمون ديني واجتماعي وضرورة استعادة يهود الشتات وربطهم بالوطن الأم (إسرائيل) ومن ثم تعزيز دورهم في المجتمع الداخلي بتنشيط المناهج اليهودية فيما بينهم .

 

  1. (أرض الميعاد) أرض فلسطين
  • أصل المصطلح ودلالاته:

ولتحقيق التشكيل الكامل للكيان الصهيوني كان لا بد من وجود أرض تضم الشتات اليهودي من العالم، وقد وقع الاختيار على أرض فلسطين استناداً إلى الأسطورة اليهودية المتداولة التي تقول إن هناك حقا لليهود في تأسيس وطن قومي على أرض فلسطين وكما تزعم العقيدة الصهيونية أن الرب وعدهم في التوراة "لِنسلِك أُعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات"، جاءت تلك الوعود باعتبار أنفسهم من أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين، وما جاء التقبل والتأييد المباشر من العالم الأوروبي والاستعمار البريطاني على وجه الخصوص لليهود بأن يكون لهم وطن ودولة إلا لتسهيل خروجهم والتخلص منهم في أرضه .

إضافة إلى أن اختيار اليهود لاستخدام لفظ أرض الميعاد ما كان إلا لبث الروح الدينية القائمة على الادعاءات في التوراة، فإن كانت أرض فلسطين مقدسة دينياً عند اليهود فهي كذلك لدى المسيحين كونها الأرض التي صُلب فيها المسيح، وأيضاً مسرى رسولنا الكريم وأولى القبلتين وثالث الحرمين عند المسلمين .

فإذا كان وعد الرب لهم هو الأساس في البقاء، فما هو التقديس المميز عند اليهود عن باقي الديانات؟

 

  1. (العمليات الانتحارية) العمليات الجهادية
  • أصل المصطلح ودلالاته:

العملية الاستشهادية أو الفدائية هي أن يُلغِّم فرد أو مجموعة من الأفراد جسما ما أو سيارة والدخول بها بين تجمعات العدو أو مناطق حيويته، ثم تفجيرها في الوقت المناسب موقعة عددا كبيرا من الضحايا والخسائر في صفوف العدو، وذلك بسبب عنصر المفاجأة وطبيعة الدخول .

وهي أكثر الأساليب استخداماً في وقتنا الحالي وأكثرها نكاية بالعدو، وأقلها تكلفة وخسائر بالمقارنة مع غيرها من العمليات الهجومية المخطط لها بحشد الطاقات والإمكانات، ومن ثم تنفيذ الهجوم، وقد تحدث خسائر لكنها تكاد لا تذكر بسبب تحصن المدافع وأخذه الحيطة .

ومن الواقع الذي نعايشه فإن أثر تلك العمليات عميق جداً على الكيان الصهيوني؛ حيث وصف أي مقاومة تصدر من الفلسطينيين بأوصاف تدل على بشاعة الفعل وسوء تحديد الهدف، ومن تلك المسميات إطلاق مصطلح  أعمال تخريبية أو إرهابية وعمليات انتحارية، هذه المصطلحات اختارها الكيان الصهيوني بدقة عالية، وأطلق على منفذي تلك العمليات أنهم انتحاريون، لينفروا من مقاومتهم، لكن الحقيقة أن هناك فرقا كبيرا وواضحا بين الانتحاري والفدائي ... فالمنتحر لم يُقدِم على ذلك إلا لسبب ضعف إيمانه وقلة صبره، فعقابه لعنة من الله ونار جهنم، أما الفدائي فيُقدم على ذلك إيماناً منه ويقيناً بنصرة دين الله وإعلاء كلمة الحق .

 

  1. (هيكل سليمان) المسجد الأقصى
  • أصل المصطلح ودلالاته:

ذكر في السنة النبوية أن نبي الله سليمان عليه السلام جدد بناء المسجد الأقصى، ولم يبنِ هيكلاً كما تزعم التوراة، وأن خرافة هيكل سليمان كما ترويها الكتب المقدسة لدى اليهود ليس لها وجود حقيقي في التاريخ ولا على أرض الواقع .

وبحسب ما جاء في التوراة المحرفة أن سليمان بنى مكاناً للعبادة سماه "بيت يهوه" ويشير اللفظ إلى الرب، ثم تداولت تسميته بين اليهود بمسميات عدة منها: البيت المقدس وبيت العبادة والمعبد والهيكل ...ومن هنا بدأت المغالطات، وبرواية أخرى، فإن سليمان عليه السلام بنى معبداً لليهود وأطلق عليه "هيكل سليمان" أو "الهيكل الأول" ثم هدمه بالكامل الحاكم البابلي نبوخذ نصر ولكن الرومان أعادوا بناء الهيكل، وهدموه مرة أخرى وطمسوا كل أثر لليهود وبنوا مدينة رومانية جديدة .

بالرجوع إلى حقيقة الهيكل نجده خيوطاً من وحي الخيال نسجها وحولها اليهود إلى أكذوبة كبيرة، اتخذوها ذريعة ممتدة لأكذوبة أحقية وجودهم على أرض فلسطين لتحقيق أهدافهم وتنفيذ مخططاتهم الصهيونية، وعلى الرغم من اختلافهم حول تسمية وموقع وشكل الهيكل فإن اتفاقهم واضح كالشمس وهو هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم .

 

  1. (جيش الدفاع الإسرائيلي) قوات الاحتلال الإسرائيلي
  • أصل المصطلح ودلالاته:

عد الكيان الصهيوني قيام الحرب العالمية الأولى فرصة ذهبية لتحقيق أهدافه المنشودة، فأنشأ قوة يهودية مسلحة تعمل تحت سلطة الحكم البريطاني في المنطقة العربية ولم يرضَ بذلك الخضوع إلا ليتمكن من الحصول على المساواة السياسية مع بريطانيا ولإعداد قوة عسكرية يهودية مستقلة تكتسب الخبرة والتجربة في القيادة وفنون القتال، وكل ذلك من أجل الوصول للهدف الأسمى وهو بناء وطن قومي يهودي على أرض فلسطين، وبالفعل تمت السيطرة الصهيونية على الأراضي الفلسطينية ثم الإعلان الرسمي لما تُسمى دولة (إسرائيل) في عام 1948وبعدها بأيام قليلة تم تأسيس الجيش الإسرائيلي .

أطلقت إسرائيل على جيشها اسم "تسفا هجناه ليسرائيل" ويعني بالعربية "جيش الدفاع الإسرائيلي"، واختصرته بالأحرف الأولى للاسم العبري "تساهل"، وكان هناك اعتراض من داخل الكيان الصهيوني على اختيار الاسم كونه يحتوي على اسم مجموعة واحدة فقط من المجموعات التي شكلت بناء الجيش ككل أمثال موشييه وحاييم .

نجد أن الاحتلال يستخدم مصطلح جيش الدفاع الاسرائيلي لإبعاد صفة العدوانية والحربية عنه ولأخذ الشرعية الدولية على أرض وشعب فلسطين في جميع ممارساته، وبالنظر إلى الواقع فإن الجيش اليهودي هو جيش قتل وتدمير واغتصاب وتشريد وهو جيش للمحافظة على ديمومة وجود الكيان الصهيوني بالقوة من خلال حشد وتعبئة وعسكرة جميع أفراده .

 

 

  1. (حائط المبكى) حائط البراق
  • أصل المصطلح ودلالاته:

البراق هو اسم الدابة التي سافر بها نبينا محمد عليه السلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم ربط هذه الدابة على حائط يقع في الجزء الجنوبي الغربي من سور المسجد الأقصى ويجاوره باب المغاربة، فسمي هذا الحائط  البراق نسبة إلى دابة رسولنا الكريم .

عد اليهود حائط البراق معلماً دينياَ مقدساً استناداً إلى توراتهم المزعومة التي جعلت الحائط آخر أثر من آثار هيكل سليمان المزعوم لذا سموه المبكى، وجزءا من المسجد الذي بناه سليمان عليه السلام بل وأطلقوا عليه الحائط الغربي للهيكل، وبناءً على هذا كان اليهود يفِدون إليه لتبدأ طقوسهم وصلواتهم بطابع من النواح والعويل، ولكن الثابت دينياً وتاريخياً أن حائط البراق جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى .

 

  1. (نجمة داود) النجمة السداسية
  • أصل المصطلح ودلالاته:

النجمة السداسية هي التي وضعها الكيان الصهيوني وسط علمه بين خطين أزرقين يقال إنهما يرمزان إلى نهري النيل والفرات، وذلك لإيمان اليهود بأن الله وهبهم كل الأراضي التي تقع بين هذين النهرين .

تقول بعض الأساطير اليهودية إن النجمة السداسية يرجع أصلها إلى النبي داود، فبعد انتهاء النبي من معاركه كان يلف الدرع بشريط من الجلد يكون على هيئة نجمة سداسية، وبرواية أخرى أن النبي استخدم هذه النجمة -التي تدل على القوة- في المعركة التي قتل فيها عدوهم جالوت، لكن ليس من المنطق نسب تلك النجمة التي تُذكرنا بالقتل والدمار والشر إلى نبي من أنبياء الله حمل الدين الحق والأمان والعدل .

وفي عام 1879 تم اعتماد النجمة السداسية شعاراً للكيان الصهيوني في مدينة بال السويسرية .

وبالرجوع إلى أقوال المؤرخين فإن استخدام النجمة لم يقتصر على اليهود فقط، إنما استخدمها الهندوس للتعبير عن الكون وأطلقوا عليها اسم "ماندالا"، وأيضاً إمارة قرمان التي تقع جنوب الأناضول استخدمت النجمة ذاتها في علم إمارتها، وكذلك استخدمت في الزخرفة الإسلامية .

وبذلك فإن المصطلحات الإسرائيلية  تلعب دوراً كبيراً في التأثير على الرأي العام، حيث اعتمد الإعلام الإسرائيلي منذ نشَأت الحركة الصهيونية على توجيه إعلامه إلى العالم عامة، وإلى الفلسطينيين واليهود أنفسهم خاصة من خلال استخدام أساليب الدعاية المتعددة لإقناع اليهود "بضرورة العودة إلى أرض الآباء والأجداد" وإلى الفلسطينيين "بضرورة الاستعداد للرحيل عن الأرض التي وعد الله بها شعبه المختار"، ثم انتقل بتوجهه إلى العالم الغربي لضمان دعمه وتأييده لإعلان دولتهم على أرض فلسطين .

وعلى هذا الأساس اعتمدت وسائل وقنوات الإعلام الإسرائيلي أساليب التضليل والتشويه وتغيير الحقائق من خلال استخدام مجموعة من الأساطير التاريخية والدينية وتبديل المصطلحات والمفاهيم وجعلها بعيدة عن نطاق الحقيقة كل ذلك لكي يصور للرأي العام العالمي أن الصراع بين العرب والصهاينة ما هو إلا انحصار لـ "أقلية من الفلسطينيين" مع دولة إسرائيل" .

نجح الإعلام الإسرائيلي في محورة وتسويق المفاهيم والمصطلحات إلى الرأي العام حتى استطاع تحويل الحرب المسلحة إلى حرب ثقافية معرفية من خلال ترسيخ المعلومات المضللة في أذهان الجماهير واستخدامها دون الشعور بذلك .

وعلى الرغم من استمرار الاحتلال الإسرائيلي وتأثيراته الخطيرة في مجالات الحياة الفلسطينية كافة، بما في ذلك وسائل الإعلام في قطاع غزة خاصة إلا أن تلك الوسائل تمكنت من التصدي والصمود أمام الانتهاكات الإسرائيلية التي تتعرض لها، من خلال تسليط الضوء في الوسائل الإعلامية الفلسطينية على ضرورة عقد لقاءات وندوات تكشف الممارسات الإسرائيلية بحق الإعلام والإعلاميين، والحث على التعاون والعمل المشترك بين المؤسسات الإعلامية الفلسطينية للحد من التأثيرات السلبية الناجمة عن استمرار الحصار، وأخيراً ضرورة توجه المؤسسات الفلسطينية الإعلامية والإنسانية والحقوقية نحو المحافل الدولية للضغط على (إسرائيل) لإنهاء حصارها على قطاع غزة عامة والإعلام خاصة. (هل هذه توصيات أم بالفعل ما تقوم به وسائل الإعلام؟).