فلسطين أون لاين

لا تكن معتدلًا

في مشوار حياتنا الطويل كثيرًا ما نطالب بالاعتدال ممن حولنا بمنطق التوزيع المتساوي، أو تناول القضايا الحياتية دون إفراط فيها والتعاطي باعتدال أيضًا، كما يستخدم في اعتدال الجسم وعدم انحنائه، كما اعتدال الأجواء وحرارتها، كلها مرادفات تسافر بنا نحو الوسطية، وتعزز لدى القارئ والمتابع أنها نقطة ما بين غلوٍ ومغالاة وظلم وعدم مساواة  أو إفراط وتفريط في تفاصيل حياتنا.

  والحقيقة أن الاعتدال لغةً يحتمل كل المعاني السابقة والمفاهيم السالفة الذكر لدى العديدين من المثقفين والنخب، مصطلح يحمل بين طياته المرونة والليونة وعدم التطرف في السلوك والمعاملات.

لكن الاعتدال مفهوم حياة ومنهجًا للتطبيق يختلف ويجب أن يختلف عن كل المعاني السابقة، لكون الاعتدال ليس الوسطية ومطلقًا ليس النقطة بين وبين، بل الاعتدال هو القيام بالفعل بطريقة ثالثة دون تنازل الوسطية، تنازل وخسارة، وسطية تنازل عن حق أو جزء منه مرحليًّا أو بعيد المدى.

الاعتدال خيار آخر لا تنازل فيه عن صواب، ولا تأكيد لمساواة ظالمة تؤسس لصراعٍ  دائم أو نزاع مستمر، الاعتدال أن تحافظ على حقك كاملًا وتنتزعه متكاملًا، فنقاط التلاقي هي فقد من حق وخسارة من مبدأ وشرعنة لظالم بباطل يأكله جورًا ومباركة خادعة قاهرة لاغتصاب حقوق وانتزاع ملكية، فليكن التعاون بديلًا للمصطلح الظالم بمنطقنا، والبديل الأمثل لمصطلح يقتل ما تبقى من مروءة ورجولة في ذواتنا.

لكن هي مفارقة المصطلحات والتيه خلف جدرانها، أزمة مازلنا نعيشها في عالمنا العربي في فهم المصطلحات والمعاني والكلمات، نتداولها بالعقل اللاواعي، نتفاوت في فهمها مع تداولها كثيرًا ويوميًّا، رسمت لنا معالم طريق ومنهجية في التفكير وقواعد حياة، أرهقت قلوبنا وأعيت من حولنا من أبناء وأحبة ورفقاء طريق، ومازلنا أسرى لها ندافع عنها تارة وتدفعنا تارات وتارات، مع أنها تتعارض هي وديننا العظيم وعاداتنا النبيلة، ومع ذلك نتمسك بها أو بما تبقى من رفاتها، لنتمسك بما تبقى منها وكأننا أمةٌ تعشق الفتات، على موائد الأفكار، نسينا رغيف شعير أمي لنلهث وراء قديد خبز ليكون عنوانًا لحياة قاسية لنجسد جدلية الهروب نحو الألم.

هي دعوة -أحبتي- للهروب إلى صدق الكلمة والمعنى، إلى يقين الإحساس والشعور، لتبقى الكلمة حاضرة قلبًا وقالبًا لغة واصطلاحًا، بالمعنى الذي يضمن صورة متزنة متكاملة معتدلة اعتدالًا لا تنازل فيه ووسطية بلا نقطة وسط بين وبين.

اعتدال يضع النقاط على الحروف ليستقيم المعاني ويحدد الفواصل بين الكلمات ليستوي المفهوم، اعتدال يضع الأشياء في نصابها ويكون بيضة ميزان ورمانته، هكذا نفهم الاعتدال عنوانًا للعدل وإحقاق الحق دون حلول وسط ظالمة أو تنازلات مهينة.