توقف الفلسطينيون عن الرقص والهرج في ذكرى قيام دولتهم، ومر تاريخ 15/11/1988 دون طبل أو زمر، بعد أن أدرك العقلاء سخافة الاحتفال بذكرى قيام دولة على ورق، لقد توقف الفلسطينيون عن ذكر هذا اليوم على المستوى الرسمي والشعبي، وأيقنوا أن الأوطان لا تحررها الشعارات، وأن العدو لا يرحل بالقرارات.
مهزلة الإعلان عن قيام دولة فلسطين على الورق تتكرر كل يوم في السياسة الفلسطينية، فما زال فينا من يخادع الجمهور ويصدر قرارات ومراسيم لا تمشي في شوارع غزة والضفة الغربية لعدة أمتار، قرارات لا تأثير لها على الاحتلال، ولا قيمة عملية لها على أرض الواقع، ولن تزحزح مستوطنًا يهوديًّا من مكانه قيد أنملة، ومن هذه القرارات التي اتخذتها الحكومة؛ التعامل مع أرض الضفة الغربية على أنها وحدة جغرافية واحدة، وغير مقسمة إلى مناطق وفق اتفاقية أوسلو، ليسري على منطقة C في الضفة الغربية القانون الفلسطيني نفسه الساري على منطقة A، وصدر قرار الحكومة على الورق فقط، ولم يمشِ على أرض الواقع مسافة حاجز إسرائيلي لا يسمح لرئيس الوزراء بالعبور إلا بإذن.
بالمفهوم نفسه ينادي الجميع ويتوسل صدور المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات التشريعية، وكأن في هذه الانتخابات خلاص الفلسطينيين من الاحتلال، وتصفية الاستيطان، ونهاية البطالة، وبداية الازدهار الاقتصادي، والاستقلال الوطني، ونهاية الانقسام، لتدق الوظائف في غزة على أبواب الخريجين، تتوسل إليهم العمل، في حين نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية سنة 1996، وسنة 2006، لم تغير من واقع الاحتلال شيئًا، وإن كانت قد غيرت من واقع حياة الفلسطينيين الداخلية والمعيشية بعض الأشياء، ولكن نتائج الانتخابات لم تكسر عنق الاحتلال، ولم تعكر صفو حياة المستوطنين الآمنة.
من الثابت أن نتائج الانتخابات التشريعية لن تغير من واقع الحياة السياسية الفلسطينية شيئاً، وحتى لو أفرزت الانتخابات الشخصيات التي يتمناها الشعب الفلسطيني، ويعشق هواها، فالمجلس التشريعي وحده غير قادر على قلب المشهد، وتحديد معالم المستقبل، وتوجيه ضربة طاحنة للاحتلال ما دام الأفق العام هو اتفاقية أوسلو، وما دامت له مرجعيتان؛ الأولى اسمها الرئيس، والثانية اسمها منظمة التحرير، ولجنتها التنفيذية.
وحتى تكون منظمة التحرير ممثلة لكل الشعب الفلسطيني، وحتى تكون قراراتها موزونة بحكم الواقع الفلسطيني البائس، وحتى لا تتخذ قرارات استعراضية، وتقيم الدولة بقرار على ورق كما حصل مع قرار قيام دولة فلسطين، الذي صار مقياساً للتخبط والفشل، وحتى لا تتكرر المأساة السياسية بحق الأرض المنتهكة، على الشعب الفلسطيني أن يعالج أمراض منظمة التحرير، وأن يداوي جراحها، وأن ينعش ذاكرتها الوطنية، ليكون لها جسدًا قويًّا، يضم كل القوى السياسية الفلسطينية، جسدًا تمثل المقاومة الفلسطينية عضلاته، وعظامه من سيرة الشهداء، وجلده من عذاب آلاف الأسرى، ورأسه إنسان يفتش عن المستقبل في كتب التاريخ، فقد دللت تجارب الشعوب أن للحرية الحمراء بابًا، بكل يدٍ مضرجةٍ يُدَقُ.