إذا قال لك أحدهم: إنه لا يستطيع أن يقرأ، فليس معنى ذلك أنه غير قادر على القراءة، ولكن ذلك معناه أنه لم يبذل جهداً كافياً ليتعلّمها. ومن يجد في نفسه أنه غير مبدع، فمعنى ذلك أنه لا يعرف ما الإبداع؟ وما معناه؟ أو كيفية الوصول إليه. فالإبداع يأتي عندما يدرك الشخص ما الإبداع؟ وماذا يعني؟ وما يميز المبدع عن غيره من الناس؟ فيسخّر جميع قدراته التي منحه الله إياها ليغدو مبدعاً ويخرج من داخل نفسه أفكاراً تخلق أشياء جديدة للبشرية.. فالرسام، والنَّحات، والكاتب، والقاصّ، والشاعر، والعالِم، والمخترع، والمبتكر، وغيرهم الكثير من المبدعين لم يكونوا ليبدعوا لو أنهم لم يبذلوا جهداً كبيراً لرعاية المواهب والقدرات التي هباهم الله إياها وتطويرها والسهر على صقلها وتشذيبها، ومتابعة السير في الطريق الذي يوصلهم للهدف البعيد الذي يحلمون ببلوغه.
عندما سئل توماس إديسون عن السبب الذي يقف وراء الإبداع الفريد من نوعه الذي يتمتع به والذي أمكنه من الحصول على ما يزيد عن 1000 براءة اختراع لا زالت مسجله باسمه ليس أولها المصباح الكهربائي الذي كان اختراعه نقطة تحول في تاريخ البشرية حيث أضاء العالم بالكهرباء بعد أن كانت القناديل والشموع هي مصدر الإنارة فيه، كما لم يكن آخر مخترعاته. قال هذا المبدع: إن 2% من سبب إبداعه هو الإبداع والإلهام، و98% كان جهداً شخصياً ومثابرة.
أما العاِلم والطبيب والكيميائي التركي "عزيز سنجار" الحائز على جائزة نوبل للكيمياء عام 2015 بمشاركة زميلين آخرين، لإسهاماتهم في وضع خريطة لكيفية قيام الخلايا بإصلاح التلف في الحمض النووي، وكيفية حماية المعلومات الوراثية. أكد د. سنجار على فكرة أن العمل والإرادة والمثابرة هي أساس الإبداع والنجاح فقد قال: "أنا لا أؤمن بأن الذكاء سبباً للنجاح، إنما هو الجهد والمثابرة".
وقد كان هدف هذا العالِم "عزيز سنجار" واضحاً أمامه منذ بداية الطريق، فقد صب جل اهتمامه على أن يصبح عالماً، فقد عرض عليه المنتخب التركي للعب فيه، إلا أنه رفض ذلك وآثر أن يغدو عالماً لا لاعباً، ويقول عنه أخاه الأكبر إنه كان يدرس على ضوء مصباح، وينام 4 ساعات فقط في اليوم، ويقضي بقية وقته في الدراسة. وقد وكان يتمنى دائماً أن يصبح عالماً.
وصحيح أن فليمنج شاهد تآكل مستعمرات البكتيريا على الطبق الذي تركه معرضاً للهواء ليلاحظ بالتالي وجود العفن الذي قاده بدوره بعد ذلك إلى اكتشاف البنسلين لتكون تلك الخطوة هي الأولى في اكتشاف عالم المضادات الحيوية، وقد يعتبر البعض أن التوصل إلى المضادات الحيوية ما هو إلا محض صدفة وإلهام تعرض لها فليمنج، ولكن علينا أن لا ننسى أن فليمنج كان يعمل منذ أوقات طويلة بجد في تجاربه على الكائنات الدقيقة يدرسها، ويبذل جهداً كبيراً ومستمراً محاولاً العثور على علاج يعقم الجروح ويعالج الأمراض المعدية دون أن يشكل أذى على جسم الإنسان، إلى أن لاحظ نمو البنسلين على طبق زراعة البكتيريا... لتكون تلك هي البداية، ولو لم يكن فليمنج عارفاً بحيثيات نمو البكتيريا ودارساً لطبيعة مستعمراتها لما انتبه لتلاشي مستعمراتها ولما بحث عن السبب ورائها وما كان ليكتشف البنسلين.
وما دام الإبداع لا يأتي من دون هدف عظيم يضعه الفرد نصب عينيه، ويؤمن به ويحبه ويراه واقعاً لا محالة ولا يعتريه أي شك مهما كان بسيطاً في الوصول إليه، فيجتهد ويثابر ويستمر في محاولاته ويتحدى نفسه ورغباته والظروف التي تحيط به، ويصر على بلوغه مهما كان بعيداً وصعب المنال، فإن الخطوة الأولى في طريق الإبداع تبدأ بتربية الشخص لنفسه وتطويعها لتعمل بجد واجتهاد وتبذل قصارى جهدها، ولا يسمح لها بالتمادي في الراحة، والاكتفاء بالأحلام والتمني دون بذل الجهد الكافي لإحالة أحلام وأمنيات الإبداع إلى حقيقة واقعية.