المعروف لدينا أن السجين من حُبس خلف القضبان ومُنع من التواصل مع الأهل والخلان، وحرم الحب برًّا وبحرًا ليبقى حبيس الجدران، خلف الأبواب والأسوار ينتظر فرج الرحمن، أو نظرة حب من عيون أم دامعة، أو همسات دفء عبر الأثير لقلوب تجمدت من فراغ.
هذا أسير بلدي، يصرخ، يبكي، يبتسم، يعيش الغربة والوحدة وحده بظلم ظالم وقهر قاهر ليقتل جسدًا ويحاصر روحًا ويدمر فكرًا، ونسي هذا الطاغية أو تناسى أن الروح لا تُحاصَر، فروح الفلسطيني تُحلق هناك بعيدًا حيث عبق الحرية، لا تعترف بالجدران، وقد حَطمت كل القضبان، فروح الأسير نسمات عطر في كل بستان، وشجرة مثمرة في رحم كل النساء، تحلق على أجنحة الطير في كل سماء، لتخترق حدود الأحبة والفرقاء.
أسيرنا لا تحده الكلمات ولا ينتظر الثناء، حبيس الجسد، طريح الفراش مكبل الأيدي، لا يعرف الوقت ولا الزمان ساعته في عيون السجان، لقيماته كسرات خبز من ظالم جبان، لكنه بعزيمة يقارع السجان وبروح تسافر عبر الأيام لتعيد للتاريخ بوصلته ليضبط الاتجاه، عقله قد فارق جسده منذ عقود ليجالس الأحرار وليرسم خريطة تنير لهم الطريق.
أسيرنا شرب ماء محلى بإكسير فلسطين، وتنفس هواء من رحم الحب والانتماء لأرض نبت فيها، لأرض جبلت بدماء أجداد وارتوت بعرق آباء، أرض شرفها الأنبياء والأتقياء ودفن فيها العظماء، يا سادة، أرضي وبلدي مقدستان، وهذه حقيقة يعرفها كل الخصماء، ومثبتة في كتاب رافع السماوات.
وفي وجدان أسيرنا ترسخ الكلمات، لكن كلماتي اليوم لمن يعيش طليق الروح والجسد سقفه السماء وجدرانه موجات البحر، عيونه تطال السحاب وأقدامه تجوب الرمال، ويعيش أسير الروح حبيس الواقع والأزمات.
الحقيقة -يا سادة- أن الأسير من كان سجين الروح طليق الجسد، قاتلًا لوقته، فاقدًا الهدف والغاية، بلا بوصلة ولا اتجاه.
ألم تسمع عن رجالٍ حفروا في الصخر ليعلو صوتهم، وزرعوا الرمال ليحصدوا عزة وكرامة دون كلل أو ملل، يا أسرى فلسطين، لقد ضعفت القضبان وما ضعفتم، لقد انهارت الجدران وما انهارت عزيمتكم، مازلتم تزرعون فينا رغبة التحدي ومتعة الصمود والتصدي، أنتم في ظلمتكم تنيرون لنا الطريق وتشكلون لنا نقطة وصول ورمز انطلاق نحو الهدف والطموح، أنتم عيون مبصرة وقلوب نابضة في غابة موحشة، أسود في عالم ذئاب ضارية.
فعش -يا صديقي- طليق الروح كما يعيش أسرانا، فتلك أمانيهم لك، فتمنى لهم السلامة والفرج العاجلين، اللهم فك أسرهم ويسر لهم بابًا يفتح بعلمك ومعرفتك يا الله، كل التحية والحب لكم وخالص الدعاء والأمنيات.