يُسابق الاحتلال الزمن في تغيير الحقائق التاريخية في مدينة القدس المحتلة، ويُعزّز من مشاريعه الاستيطانية وعمليات تهويده للمدينة المقدسة، وسط موقف فلسطيني رسمي غير مفهوم، وعجز عربي يصل إلى حدِّ المشاركة في الجرائم بحق القدس مهوى أفئدة المسلمين والمسيحيين.
التهديدات الكلامية من منظمة التحرير والسلطة لم يكن لها أي رصيد في الواقع لصالح مواجهة المشاريع الإسرائيلية في القدس، وهو ما شجع الإدارة الأمريكية على نقل سفارتها إلى القدس وعدِّها عاصمة لـ(إسرائيل)، وما جعلها تتمادى في جرائمها بحق شعبنا وأرضه ومقدساته، والأهم عدم حدوث أي رد فعل وطني وجماهيري وشعبي، فقد مر يوم نقل السفارة هادئا نسبيا إلا في غزة التي ذكَّرت العالم بالقدس ولكن بدمائها وشهدائها.
الإدارة الأمريكية لم تتوقف عند هذا الحد، وإنما أمعنت في قراراتها ضد قضيتنا، وألغت فعليا مشروع المنظمة في حل الدولتين عندما اتخذت قرارها بشرعنة الاستيطان في الضفة المحتلة ضاربة بعرض الحائط القوانين الدولية، فمن يمتلك القوة في عالمنا يفرض القانون!
القرار الأمريكي الذي أطلق الرصاصة الأخيرة على مسيرة التسوية، وأكمله نتنياهو بنيته ضم منطقة الأغوار والتوسع الاستيطاني، لم يُحدِث أيضًا أي حراك جماهيري يمكن الاعتماد عليه، وهو ما يَفرض على الرئيس ولجنته التنفيذية والمجلس التشريعي وقادة الفصائل وكل المؤسسات الوطنية أن يقفوا بصدقٍ ويبحثوا بعمق ويجيبوا عن السؤال: ما الذي يَحدُث؟ ولماذا؟!
من الواضح أن الجماهير الفلسطينية تشعر باليأس والإحباط من الفشل السياسي الفلسطيني وانتشار الفساد والمنتفعين، وتحول بعض الثوار إلى منسقين مع الاحتلال، وحالة الضغط المعيشي، والحصار والانقسام، وتمكن شياطين الإنس من تدجين جزء غير قليل من الجماهير ليكون همها الأول لقمة العيش، وأحيانا قبل الأوطان والمقدسات!
وإلا ماذا نسمي عدم حدوث أي حراك أو حتى تضامن أو اعتصام للاقتحام المتكرر للمسجد الأقصى المبارك؟ وعدم وجود أي ردة فعل لاعتداء شرطة الاحتلال على فلسطينية وهي تصلي عند باب مصلى الرحمة في المسجد الأقصى وطردها واعتقالها؟ تبلد الإحساس وطبعت العقول حتى بات ما يجري في القدس من استيطان واقتحام واعتقال وهدم المنازل وطرد المصلين والهيمنة على المسجد الأقصى وحتى إعدام الأطفال في بث مباشر وغيره حدثا اعتياديا يمر أمامنا كمشهد عابر!
سياسيون كثر ومراقبون أكثر يرون أن المواجهة القادمة مع الاحتلال ستكون في جنوب لبنان، أو قطاع غزة الذي يشهد ارتقاء الشهداء في الغارات الإسرائيلية أو في مسيرات العودة، لكني أقول إن صاعق الانفجار الذي قد يفاجئ الجميع سيكون في القدس، نعم، قد لا يعرف أحد توقيت الانفجار، لكنه قادم لا محالة، وقد يكون لسبب أبسط مما نتصور.
إن القدس عنوان الصراع، ولا يمكن تصور دولة فلسطينية مستقلة دون القدس، والمقاومة الفلسطينية بجميع أذرعها، مدعوة للرد على جرائم الاحتلال في القدس التي استفرد بها الاحتلال، فالرد لا يكون فقط على ارتقاء الشهداء وهم الأكرم منا، وإلا ما معنى قولنا إن القدس أغلى من دمائنا وأبنائنا؟!