ثمانية أيام من الصمت تثير الشك، ثمانية أيام فصلت بين قرار وزير الخارجية الأمريكية بومبيو بتشريع الاستيطان في الضفة بتاريخ 18/11، وبين إعلان السلطة الفلسطينية عن يوم الغضب ضد القرار بتاريخ 26/11.
فما الذي جرى خلال الأيام الثمانية من اتصالات ولقاءات ومشاورات؟ وماذا استجد؟ وماذا تغير؟ ولماذا تأخر رد فعل السلطة الفلسطينية الميداني لمدة ثمانية أيام، اكتفت خلالها قيادة السلطة الفلسطينية بإصدار بيانات الشجب والإدانة والاستنكار والتهديد الكلامي، دون أن تتحرك خطوة واحدة باتجاه الفعل القاهر للاستيطان؟
ثمانية أيام من الهدوء، لم تغضب خلالها الجماهير في الضفة الغربية وغزة؟ ولم تعرقل المسيرات طرق المستوطنين، ولم تتفجر الجامعات ثورة، ولم يخرج طلاب المدارس، ولم تغلق المحلات، ولم يعلن عن يوم إضراب واحد، أو يوم حداد.
ثمانية أيام من الهدوء سبقت يوم الغضب الرسمي الذي أعلنت عنه قيادة السلطة، وجاء يوم الغضب يتيمًا حزينًا وحيدًا لا شريك له، يوم واحد، خرج فيه مؤيدو السلطة وموظفوها لعدة ساعات دون احتكاكات، وعادوا لعاداتهم بسلام.
يوم الغضب الوحيد واليتيم والفقير للدعم جعل بعض الناس يقولون:
بعد أن ازداد الانتقاد للسلطة الفلسطينية، تم التواصل بين جهاز المخابرات الفلسطينية وجهاز المخابرات الإسرائيلية لتدارك الموقف، وبعد المشاورات والنقاشات التي استمرت ثمانية أيام، أعطت المخابرات الإسرائيلية تصريحًا للسلطة الفلسطينية بالإعلان عن يوم غضب مضبوط الخطوات، محدود الفعاليات، مضمون النتائج التي سيحكمها الهدوء العام.
بل سمعت بعض الناس يقولون: إن المخابرات الإسرائيلية هي التي تداركت الموقف، وطلبت من المخابرات الفلسطينية أن ترعى حراكًا جماهيريًّا محدودًا في الضفة الغربية، حفاظًا على ماء وجه السلطة، وحرصًا على زركشة ثوبها الوطني بغضب مضبوط، ويستشهدون على ذلك بأن التصريح الإسرائيلي جاء ليوم واحد فقط، وفي اليوم الثامن لقرار الخارجية الأمريكية بتشريع الاستيطان في الضفة الغربية!
وما زال الناس في فلسطين يتساءلون: لماذا كان الإعلان عن يوم الغضب المحدود والمؤقت بعد ثمانية أيام؟ ولماذا كان ليوم واحد فقط؟ وهل صدر القرار من رئيس السلطة بضبط التحرك الميداني فالتزمت المخابرات الفلسطينية بالتنفيذ، حتى جاء اليوم الثامن، وقرعت الأجراس على استحياء وحذر؟
لقد عودنا الشعب الفلسطيني على الثورة، ورد الفعل الميداني السريع، والاندفاع غير المحسوب في الدفاع عن وطنه، وقد شهدنا عشرات مواقف الثأر للكرامة الوطنية، وعرفنا الشعب الفلسطيني عاشقًا للمواجهة، متفاخرًا بسنوات السجن، مكبرًا لمواكب الشهداء، فما الذي جعل من الشعب الفلسطيني جثة هامدة إزاء جريمة تشريع مستوطنات الضفة الغربية؟ من الذي يمسك بالمفتاح السحري لأبواب التمرد، وأغلقها حفاظًا على تعاونه الأمني؟ من الذي صادر ردة فعل الجماهير التقليدية؟ من الذي حاصر الانفعالات الوطنية، وصفع الأراضي المحتلة على أذنيها حتى عادت لا تسمع قصف الصواريخ الذي ذبح أطفال ونساء عائلة السواركة في غزة، ولم تعد تسمع أنين الإنسانية المنبعث من حنجرة أم لشهيد الأسير المكلوم سامي أبو دياك، ولم تعد تغضب لصوت الجرافات الإسرائيلية، وهي تمهد الأرض لمزيد من المستوطنات اليهودية؟
من المسؤول؟ سؤال يفرض على كل عربي فلسطيني أن يسأله لنفسه ولزملائه ولجيرانه صباح مساء.
ملحوظة: الأكثر انتقادًا للمشفى الأمريكي على حدود قطاع غزة هم بعض مسؤولي التنظيمات الذين تسمح لهم المخابرات الإسرائيلية بالتنقل بين غزة والضفة الغربية، إنهم لا يعرفون وجع انتظار الطبيب المختص، والبحث عن العلاج المناسب!