الصداقة علاقة اجتماعية أصيلة، يتجسد فيها الود والحب والتعاطف، فهي علاقة رائعة تجمع بين الأحبة والخلان، يتأثر كل طرف بسلوك صاحبه ومشاعره، يتقاسمون تفاصيل الحياة، حلوها ومرها، فالصداقة من الروابط الإنسانية العظيمة التي لا يستطيع أي شخص على وجه الكون أن يعيش بمعزل عنها، فهو دونها كالإنسان بلا رئة، أو كرئة بلا هواء.
فديننا الحنيف وأخلاقيّاتنا الأصيلة يفرضان علينا أن نمتلك الأخلاق الحسنة وننمّيها، وأن نعمل على اكتساب المحبَّة والمودَّة مع الجميع، وأن نحافظ على ذلك بقوَّة، وأن تكون قلوبنا طاهرةً سليمةً نظيفة، تجمع القلوب والنّفوس على الخير والبرّ والسَّلامة، وقدوتنا الحبيب سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) خاطبه ربنا (عز وجل) قائلًا: "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِك" (آل عمران: 159).
فاحرص -صديقي وعزيزي- على أن تصنع الأصدقاء والأحبة، وألا تخسرهم، لأنَّ مشوار الحياة يحتاج إلى من يزرع فيها الخير والأمان والسَّلامة والبرَّ والأخلاق الحسنة الّتي تُثمر تعاونًا ومحبّةً وتكاملًا وتضامنًا وألفة، وإنه بحاجة أيضًا إلى سند طريق ونفس طويل، فإن المجتمعات المتحابة والمتماسكة لا تبنى إلا بأفراد أقوياء أسوياء يدركون مشقة السفر وطول المسير.
إنَّ المجتمع المؤمن لا يقوم على الشِّعارات والعبارات، بل على المواقف والسّلوكيّات الّتي تنمّ عن صفاء النّفس وطهارة القلب، ونظافة العقل والشّعور، فمكارم الأخلاق تفرض علينا أن نكون مجتمع جذب الصّداقات والعلاقات الطيّبة والنّافعة، لا مجتمع العداوات البغيضة، لذلك صديق هاك في سطور كيف تكتسب صديقًا وتحافظ عليه:
بداية لا تنتقد على كل صغيرة، ولا تشتكي من كل موقف، بل امدح ما تراه جيدًا فيهم، بعد أن تشعرهم بالاهتمام، بنزاهة ودون غلو.
كن دائمًا قريبًا من قلوبهم ومشاعرهم وتحسس حوائجهم، طالبًا على مقاعد دراسة، أو زميلَ عمل، أو جارًا، وتجنب أن تجلس وحيدًا، فالأصدقاء لن يطرقوا بابك، بل اطرق أنت الأبواب واقتحم الزحام، باحثًا بين خطوطه عن صداقة أو كلمة محبة أو لحظة صدق.
ابحث عن شبيه في الأخلاق والقيم، ومكمل في تحمل أعباء الحياة وعناء تفاصيلها، وليس ضروريًّا أن تتفقوا في كل اهتماماتكم أو رغباتكم؛ فأنجح الصداقات تكون بين شخصين لا يجمعهما الكثير من الأمور المشتركة، استثمر مواقع التواصل الاجتماعي في التعرف إلى ثقافات وأنماط تفكير متعددة تكون إضافة إلى شخصيتك وتنمي عقلك.
احرص على قضاء حوائج من حولك من كبار السن والمحتاجين للمساعدة؛ فذلك يعطي الآخرين انطباعًا جيدًا عن طبيعتك، ويعزز قدراتك الذاتية.
تواصل بصريًّا مع من حولك ومن تربطك بهم علاقات بسيطة، واجعل الابتسامة مفتاح قلوبهم وأبجديات كلماتك، وكن ودودًا منشرح الوجه ممدود اليدين.
لا تنس -يا ولدي- أن الناس صنفان، صنف إيجابي ذو مزايا عديدة، متسع الصدر دافئ اللسان طاهر القلب نظيف اليد، تلتف الناس حوله وتطرق بابه وتتمنى صحبته، ويعيش معهم بمحبة ورضا من الله (تعالى)، يترك أثرًا وعبقًا، أينما حل أو ارتحل.
وصنف آخر ذو خصال سيئة، ضيق الصدر لاذع اللسان مريض القلب ذو أيدٍ ملوثة، خشن التعامل، تلفظه الناس وتفر من صحبته، هّدام لكل علاقة وقاتل للصداقة، فهو الخاسر الأكبر، يعيش بين الناس مكروهًا، مغموسًا بغضب الله وسخطه.
فكن -حبيبي- جذابًا حريصًا على بناء العلاقات الطيبة، وكن على ثقة بأن الحفاظ على الصداقات ومحبة الآخرين مهمة صعبة أيضًا؛ فالمحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها، فمهم أن نحافظ على المعاني الجميلة، وأن نسعى إلى الحفاظ على الودّ دومًا، فلا نعرِّضه لمخاطر الضّياع، وصدق الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) حين قال: "أعجز النّاس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيَّع من ظفر به".