لم يكن بمقدور حركة حماس تجاوز الاعتداء الخطير من السلطة الفلسطينية على الأسرى المحررين المعتصمين منذ أكثر من شهر وسط رام الله للمطالبة بحقوقهم وإعادة رواتبهم التي قطعتها عنهم، ما أثار أجواء سلبية في سماء الوطن .
وبينما كانت روح الأسير سامي أبو دياك ترتقي إلى ربها تشكو ظلم الاحتلال، اقتحمت عناصر أمنية مكان اعتصام الأسرى واعتدت عليهم بالضرب والقمع والإهانات ، وهدمت خيامهم وصادرت حاجياتهم ، واعتقلت أسرى محررين أفنوا زهرات شبابهم من أجل الشعب والوطن ، من أجلي أنا وأنت ، ومن أجل تلك العناصر الأمنية نفسها التي لا تدري أي جريمة ارتكبت وبحق من ؟؟!!
رغم إعلانها مرارا أن ردها إيجابي حول الانتخابات فإن حماس قررت إرجاء تسليم ردها الرسمي رفضا لما جرى بحق الأسرى ، وهو موقف وطني وإنساني وأخلاقي ، لا بد من شكر حماس عليه ، وعندما قالت نؤجل يعني أنها تقول للسلطة وللجميع أمامكم فرصة لمعالجة الأزمة وهي الفكرة التي التقطها رئيس لجنة الانتخابات حنا ناصر وبادر بالاتصال مع قادة السلطة وحركة فتح في رام الله لاحتواء الأزمة ، فالاعتداء لو حدث في دولة تحترم نفسها لاستقالت قيادتها كلها.
عادت حماس في المساء وسلمت ردها الإيجابي ، بعدما حققت ما تريد بمراجعة السلطة لموقفها المدان وطنيا وأُفرج عن المعتقلين ، وقدم رئيس الحكومة محمد اشتية اعتذاره الواضح والصريح عما حدث ، واجتمع مع الأسرى لبحث حل لقضيتهم ، وهو ما يتطلب قرارات أكثر من وعود .
تسليم حماس ردها المكتوب هو تتويج لمسار خطته لنفسها بشأن الانتخابات، حيث تجاوبت مع كل المطالب، وذللت كل العقبات، وعملت بمرونة وإيجابية عالية ، لكن الأمور ليست بأي ثمن، فالمطلوب أولا وأخيرا توفير الأجواء والضمانات لانتخابات حرة نزيهة .
الرسالة الأهم التي أطلقتها حماس أمام السلطة والفصائل والمجموع الوطني ودول الإقليم والعالم أن قضية الحريات وتوفيرها معيار النجاح والفشل للعملية الانتخابية برمتها ، ولا يمكن السماح بتدخل الأجهزة الأمنية فيها ، وأي تجاوز لقضايا الحقوق الأساسية وحرية الرأي والتعبير والحريات العامة خاصة بالضفة المحتلة يعني ضرب أسس الانتخابات برمتها .
هي دعوة لكل حر ووطني لضرورة توفير الحريات ، فإذا كان عناصر الأمن لا يحتملون اعتصاما لأسرى محررين، فكيف سيتعاملون مع من سيدلي بصوته إذا كان مخالفا لهم؟ وضرورة ضمان النزاهة والشفافية والاعتراف بالنتائج ، وإلغاء سيف المحكمة الدستورية المصلت على رقبة كل نتيجة لا تعجب البعض ، وضرورة إجراء الانتخابات في مدينة القدس المحتلة ، وعقد لقاء قيادي وطني مقرر فور صدور المرسوم الرئاسي يناقش القضايا كافة التي تضمن انتخابات حرة ديمقراطية يحترمها ويعترف بنتائجها الجميع .
بغير ذلك وبدلا من أن تكون الانتخابات لتعظيم قوتنا في مواجهة الاحتلال، وفرصة لاستعادة الوحدة على أسس الشراكة الوطنية ، سنؤسس عن وعي لانقسام فلسطيني أكثر عمقا وخطورة.