فلسطين أون لاين

هل الشخص الصامت "معقد"؟

...
2-2.jpg
غزة/ مريم الشوبكي:

جرت العادة أن يعتقد البعض أن الشخص الصامت أو الذي يتجنب التفاعلات الاجتماعية وينأى بنفسه عن صخب الآخرين، هو "معقد" ومنعزل، والأسوأ من كل ذلك أن البعض يتهمه بأنه شخص "مريض نفسيًّا"؛ لكن هل هو كذلك فعلا؟

من وجهة نظر نفسية، يبدو أنه غاب عمن يمتلكون هذا الاعتقاد أنماط الشخصية وأن هناك خيطا رفيعا بين المريض النفسي الذي يتسم باللامنطقية في التفكير وعدم القدرة على الاتصال مع الآخرين، لغياب المحتوى المعرفي الذي يكون ركيزة أساسية في الحوار، وبين من يحلل بعمق ويفند الأمور من حوله ويتخذ العزلة خيارا للارتقاء والنمو.

الاختصاصية النفسية إكرام السعايدة تبين أن هؤلاء الأشخاص الصامتين يتصفون بالذكاء الذاتي، ويتمتعون بمقدرة عالية على التفكير النقدي، وعدم قبول أي شيء كمسلّمات، ولديهم نهم شديد للمعرفة، ويبحثون في بواطن الأمور، وهم بعيدون كل البعد عن السطحية في التفكير.

وتشير السعايدة في حديث مع صحيفة "فلسطين" إلى أنهم يمتلكون عددا قليلا من الأصدقاء، ولكن يهتمون بنوعية هؤلاء الأصدقاء، ويعرفون نقاط قوتهم وضعفهم جيدا، ويبتعدون عن الجدال والحوارات العقيمة، ولا يكتفون بمصدر واحد للمعلومة، فقد تجد نهجهم التدقيق والتمحيص، يهتمون بتطوير قدراتهم ومهاراتهم، عندهم حصانة ومناعة ضد كلام الناس وعلى النقيض تماما يتقبلون النقد البناء، وهم بحر عميق لا يستطيع الجميع الوصول لأعماقه.

والتمتع بالذكاء الذاتي –والكلام لا يزال للسعايدة- مرهون بمدى معرفة الإنسان وإدراكه، الذي لا يتنسى له إلا من خلال المطالعة والقراءة المعمقة ومدى انعكاس أثرها عليه، فدائما كلما سمع أكثر أصبحت لديه قدرة عالية على التحليل، وأيضا التجربة، والسفر.

وتؤكد الاختصاصية النفسية أن التنشئة الأسرية لها دور، فهي إما أن تخلق منك إنسانا ثرثارا تتحدث لأجل الحديث، أو إنسانا حكيما أو متروِّيا، أو شخصية مهزوزة ضعيفة الثقة بالذات لا تعبر عن رأيها بصراحة وهدفهم إرضاء الناس.

ومن الضروري التفريق بين صمت الشخص لضعف أم لذكاء، إذ تقول السعايدة: "من لديه ضعف ثقة بذاته حينما نجره بالحديث يتردد ويرتبك ويخجل، أما الذكي فيعرف متى يختار الوقت والمكان والشخص المناسب للكلام، وينتقي عباراته بعناية فائقة ويؤخذ كلامه على محمل الجد، وهناك هالة تحيط بهم تجعلهم محور ثقة الآخرين وإعجابهم ويلجأ لهم الآخرون لطلبة مشورتهم".

وتنصح الأهالي والأشخاص باحترام أنماط الشخصيات الصامتة لقوتها أو لضعفها، وعدم الإساءة إليهم ووصمهم بصفات تسيء إليهم، منبهة إلى ضرورة احترام نظامهم في الحياة.

وتوصي بتعزيز ثقة أطفالنا بأنفسهم وتعليمهم متى يصمتون ومتى يتكلمون كيفما يتطلب الموقف، ودائما يجب غرس شيم فاضلة عندهم مثل الجرأة، والكرامة، واحترام الآخرين، واختيار الأوقات المناسبة للحديث، وغير ذلك.

ويقترح خبراء علم اجتماع التعامل مع "الشخص الصامت" أو الذي يتجنب الاختلاط بـ"صخب الآخرين"، من خلال محاورته بلطف، والتعرف عليه تدريجيا، فلا داعي لطرح الأسئلة كلها دفعةً واحدةً، ومن الضروري عدم طرح الأسئلة الشخصيّة الخاصة جداً؛ لأنّ ذلك من أساسيات ذوق التعامل مع الآخر بشكلٍ عام.

كما يقترحون محاولة البحث عن نقاط حوارٍ مشتركة؛ دون تخطي الحدود في التعامل، أو إجبار الشخص على التواصل، مع ضرورة تجنب إحراجه، أو تعريضه للملاحظات، ففي هذه الحالة سينتهي التواصل معه سريعا، وسيقفل باب التعامل من أوسع الأبواب.