اختلفت التنظيمات الفلسطينية مع قيادة السلطة الفلسطينية حول أولوية صدور المرسوم الرئاسي أم الحوار الوطني؛ وأيهما له السبق؟ وماذا يترتب على هذا الاختلاف في الأولويات؟
التنظيمات الفلسطينية بمعظمها كانت تريد حوارًا وطنيًا شاملًا، يضع نقاط العمل السياسي الفلسطيني على الحروف، ويرسم معالم المرحلة القادمة ضمن رؤية وطنية شاملة، لكن رئاسة السلطة الفلسطينية لما تزل تريد أن يصدر المرسوم الرئاسي بشأن الانتخابات أولًا، ثم يلتقي الجميع للحوار الوطني الشامل، والتوافق على ترتيب معالم المرحلة.
ضمن أجواء الاختلاف هذه، قد يبرز السؤال البسيط الذي يسطح العمل السياسي، ويقول: وما العيب في موافقة التنظيمات الفلسطينية على صدور المرسوم الرئاسي أولًا، واللقاء ثانيًا لبحث أسس العمل الوطني الفلسطيني المشترك؟
الإجابة عن السؤال السابق تأخذنا إلى انتخابات 2006، وتصل بنا إلى النتيجة التي يعرفها الجميع، والإجابة تفرض علينا العودة إلى جذر الانقسام السياسي الفلسطيني الذي دقت اتفاقية أوسلو أسافينه في عنق الوحدة الوطنية، وهل هنالك إجماع وطني فلسطيني على اتفاقية أوسلو أم لا؟
إن الموافقة على صدور المرسوم الرئاسي قبل الحوار الوطني تعني من وجهة نظر بعض التنظيمات الفلسطينية أن سقف العمل السياسي الفلسطيني قد صار محكومًا بسقف اتفاقية أوسلو، والموافقة على صدور المرسوم الرئاسي قبل الحوار الوطني، يعني التسليم بعدم التحليق بالحلم الفلسطيني أبعد من اتفاقية أوسلو، في حين يرى الداعون إلى الحوار الوطني الشامل قبل صدور المرسم الرئاسي فرصة للبحث عن قواسم سياسية مشتركة، تأخذ بيد السلطة وقيادتها إلى بر الأماني الفلسطينية، حيث يلتقي الجميع على برنامج الحد الأدنى من المقاومة، ومجاراة الواقع بكبرياء.
ورغم كل ما سبق من وضوح، فقد وافقت حركة حماس بلسان رئيس مكتبها السياسي على أن يسبق المرسوم الرئاسي عقد اللقاء الوطني، لتكون بذلك قد أخذت برأي القائلين: تعالوا لنفوت الفرصة على من يريد تحميل حركة حماس مسؤولية الفشل، ولا سيما أن فكرة الانتخابات مناورة سياسية يتوجب التعامل معها بذكاء، وتحت أسوأ الظروف، تعالوا لنتكاتف جميعنا في الانتخابات التشريعية، كي نفوز بالأغلبية، ومن ثم نعدل القانون، ونغير الأولويات، ونرسم ما نريد من سياسات، وفي تقديري أن هذا الاجتهاد في الرأي قد جانب الصواب، لأنه محكوم بسقف أوسلو، السقف الذي لن يسمح للعمل السياسي الفلسطيني برفع الهامة، وانتصاب القامة، السقف الذي فرض على من يسير تحت عرشه أن ينحني للواقع حينًا، وأن يحبو على أربع أحيانًا.
ذاك التنازل السياسي من حركة حماس ومن بعض التنظيمات الفلسطينية لم يغلق الأبواب على أمل التغيير، فما زال ممكنًا، ما دامت القدس هي الصخرة التي تتحطم تحت أقدامها مناورة الانتخابات، القدس تفرض على تحالف اللقاء الوطني الجامع الإصرار على شرط إجراء الانتخابات في حواري القدس قبل شوارع غزة ومدن الضفة، فالقدس هي الاختبار الحقيقي لمضمون الوطنية، وهي الملاذ الآمن لمن أراد الإفلات من انتخابات لن تغير الواقع، ولن تنهي الانقسام، ولن توقف الاستيطان اليهودي، ولن تكون معادلًا موضوعيًّا للانتخابات الإسرائيلية، ولن ترفع من شأن القضية الفلسطينية دون لقاء وطني جامع يجلله حلم التحرير والعودة.