تسلط قضية الفساد المتفاعلة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الضوء على حجم وطبيعة الفساد المستشري في الحياة السياسية الإسرائيلية، وأثرها على طبيعة النظام السياسي مستقبلاً في الكيان، لاسيما في ضوء تورط معظم الطبقة السياسية في قضايا فساد مالي وإداري وأخلاقي متعدد الجهات.
إن لائحة الاتهام الموجهة لنتنياهو، وما ستسفر عنه من تطورات قانونية وسياسية، فرصة مناسبة لاستقراء تبعات ونتائج ظاهرة الفساد في إسرائيل، خاصة على صعيد تراجع وضعية الدولة بين نظيراتها من دول العالم الغربي، وأثره على حجم الامتيازات التي ستحرم منها، إذا ما بقي "بارومتر" الفساد في مؤسساتها آخذًا في التزايد عاماً بعد عام.
إن أخبار الفساد الجريئة مثيرة للجدل عن المجتمع الإسرائيلي، لأنها تكلف الدولة ثمناً باهظاً، ويدفع بالمرء لأن يطلق على الزعامة السياسية الحاكمة فيها بأنها "قيادة فاسدة"، وتسري كـ"القوارض" في روحها، بقدرتها الفائقة على "تلويث" الجو، وتأثيرها السلبي على ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة، مما يقلل من صورتها في العالم، ويخرج بقناعة مفادها أن إسرائيل وصلت إلى مستوى من الفساد فقدت من خلاله "الفرامل" والكوابح اللازمة لإدارة الدولة.
وقد حان الوقت الذي يجب فيه تجفيف المستنقع السياسي الذي تغرق به الحياة السياسية الإسرائيلية، الذي بات ذو رائحة كريهة، بعد اتضاح مدى استشراء ظاهرة الفساد السياسي، التي باتت تفوق خطر المقاومة الفلسطينية المسلحة والتهديدات الأمنية المحيطة بالدولة، خاصة بعد مثُول عدد من رؤساء الحكومات الإسرائيلية للتحقيق مع وحدة شرطة مكافحة جرائم الغش والاحتيال.
تنقسم فضيحة فساد نتنياهو إلى ثلاثة أنواع: الامتيازات الحكومية، الرشوة، والتعيينات السياسية، وهي جميعاً منتشرة بدءًا من رئيس الحكومة، مروراً بالوزراء وأعضاء الكنيست، وانتهاءً بالموظفين الكبار، مما يذكرنا بمقولة رئيس الكنيست الأسبق "أبراهام بورغ" أن إسرائيل غدت دولة من المستوطنين تقودها زمرة من الفاسدين.
في تقارير سابقة للبنك الدولي، أشارت أن إسرائيل دولة قائمة على نسبة فساد عالية، فاقت المعدلات المقبولة في الدول المتقدمة، ووصلت 8.8%، بينما في الدول الغربية 4.91%، مما وضعها في أسفل سلمها، وعلى رأس قائمة الدول الأكثر فساداً فيها، مع ترسب ظاهرة الفساد في المؤسسات الأهلية والحكومية والخاصة.
ليس من المبالغة القول إن تأثير الفساد المستشري في إسرائيل يهدد مستقبل نظام الحكم، فعندما يتم التحقيق مع رؤساء الدولة والحكومات، وأقطاب المؤسسة الحاكمة، فإن ذلك يهدد استقرار الكيان برمته، فضلا عن التأثير السلبي على الصورة الذهنية لدى العالم عنه، لأن نشر قضايا الفساد بصورة يومية ألحق ضرراً كبيراً بصورة "الدولة"، ويطغى الحديث عن الفساد على كل لقاء يعقده إسرائيليون حول العالم!