أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال مؤتمر صحفي أن الولايات المتحدة لا تعد المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي، وأنها تشجع على حل القضية الفلسطينية من خلال المفاوضات، وأن وقوف الإدارة الأمريكية مع (إسرائيل) أمر أساس.
إعلان إدارة ترامب على لسان وزير خارجيتها مثل هذا الموقف، شكل صدمة للبعض، لكنه لم يكن بالمستغرب في الوقت ذاته بعد اتضاح الموقف الأمريكي الحقيقي تجاه القضية الفلسطينية والتثبت من انحيازها الكامل للموقف الإسرائيلي، بعد أن أوهمت الجميع وقدمت نفسها خلال الإدارات السابقة كوسيطة لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وأصبحت اليوم بسلوكها ومواقفها الرسمية طرفاً أكثر انحيازاً للاحتلال واتضحت أكذوبتها التي كانت تعلنها دوماً أنها تعمل على إيجاد حل سمته "حل الدولتين للقضية الفلسطينية".
القانون الدولي ينص بشكل واضح على أن البناء الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة يعد خرقًا للقانون الدولي، لكن الموقف الأمريكي قابله رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بترحيب واسع عبر تغريدة في تويتر، أشاد فيها بالموقف الأمريكي، وقال بكل وضوح:" الولايات المتحدة اعتمدت سياسة مهمة تصحح ظلما تاريخيا"، كما رحب بهذا القرار وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس وقال: "نبارك للولايات الأمريكية على هذا القرار".
أمام هذا المشهد ماذا يعني إعلان وزير خارجية أمريكا أن المستوطنات الاسرائيلية لم تعد مخالفة للقانون الدولي؟ وكيف يمكن قراءة مثل هذا القرار؟ وما دلالاته؟
هذا الإعلان شكل ترجمة عملية لصفقة القرن التي تقول بشكل واضح إن الاستيطان شرعي وإن القانون الذي أصدره الكونجرس سابقاً لن يحل الصراع بعدِّ الاستيطان غير شرعي.
هذا الإعلان شكل شرعنة أمريكية للمستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، كما يشكل تمهيداً واضحاً لتهجير الفلسطينيين وإعلان ضم الضفة الغربية ومناطق "ج" تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، ويثبت أن ما يسمى حل الدولتين أضحى أكذوبة لم يعد لها مكان في الطرح.
القرار الأمريكي لم يكن وليد اللحظة على لسان بومبيو، فقد سبقته خطوات عملية إسرائيلية تمهيدية، حيث سن الكنيست الإسرائيلي يوم 6 شباط 2017، قانون شرعنة الاستيطان (باسمه الرسميّ: قانون تنظيم الاستيطان في يهودا والسامرة - 2017)، الذي يهدف فعليًا إلى مصادرة أراضي الفلسطينيين الخاصّة التي بُنيت عليها مستوطنات في مناطق الضفّة الغربيّة، وتخصيصها للمستوطنين الإسرائيليين، وبذلك "شرعنة" هذه المستوطنات بالنسبة للقانون الإسرائيليّ ، وقد شكل هذا القانون مبادئ السيادة الإسرائيليّة في المناطق المحتلّة.
شكل هذا الإعلان صفعة لخيار المفاوضات ونهج أوسلو الذي ما زالت تراهن عليه السلطة الفلسطينية، أمام فرض سياسة الأمر الواقع منذ إعلان الرئيس الأمريكي القدسَ عاصمة لدولة (إسرائيل) وحتى الآن، كما سبقه قطع التمويل عن وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
هذا القرار يضع صانع القرار في رام الله أمام مسؤولية كبيرة، فلم يعد للرئيس الفلسطيني محمود عباس شيء يراهن عليه أو ممكن أن يقنع به الشعب الفلسطيني من خلال حلول سلمية، وهو ما يعني فشل المراهنة على الاستمرار بنهج المفاوضات مع (إسرائيل)، وأن كل ما يجري هو تصفية للحقوق ونهب للأرض الفلسطينية.
يؤكد هذا الموقف أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن في يوم من الأيام تعمل لصالح القضية الفلسطينية كما كانت وما زالت تدعي، فهي بقراراتها أصبحت شريكة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في سياسة الاستيطان والقتل والإبادة وفرض سياسة الأمر الواقع، بل هي منحازة بشكل واضح لـ(إسرائيل) على حساب الحق الفلسطيني وتقف سداً منيعاً أمام أي فرصة لاستعادة الحقوق.
أمام هذا التغول الأمريكي على الحقوق الفلسطينية لصالح الاحتلال، ألم يحن الوقت للتوقف عن العبث والمراهنة على خيارات السراب؟ ألم يحن الوقت لإعادة تغيير نهج ومسار الفشل والانخراط في مسار فلسطيني جديد يؤدي للاتفاق على برنامج وطني وإستراتيجية وطنية فلسطينية موحدة تكون قادرة على مواجهة كل هذه القرارات العنصرية ومشاريع التصفية بحق القضية الفلسطينية، وأن على السلطة الفلسطينية التي ما زالت تصر على التلويح بالذهاب إلى محكمة العدل الدولية لم يعد أسلوباً أو طريقاً مجدياً يمكن أن يعيد الحقوق الفلسطينية أمام عنجهية ترامب وبلطجة نتنياهو الذي يسابق الزمن لتطبيق مثل هذه القرارات التي عنوانها ضم الضفة الغربية ولن تتوقف عند هذا الحد، وكل هذا بموافقة أمريكية وصمت عربي؟.