بعيداً عن الشجب والاستنكار لقرار وزير الخارجية الأمريكية، وبعيداً عن التصريحات والتهليل الفارغ الذي لا يؤجل قراراً، ولا يردع استيطاناً، وبعيداً عن كل الهيلمان الإعلامي الذي غطى سماء المنطقة العربية بغيوم الرفض دون قطرة مطر واحدة تبل ريق الفلسطينيين، وبعيداً عن تهويش السلطة برفع قضية ضد وزير الخارجية الأمريكية، بعيداً عن كل ما سبق، هنالك سبع ملحوظات موضوعية يمكن النفاذ منها لمستقبل الأمة الذي فقدت قيمتها ووجودها دون أرض فلسطين العربية.
الملحوظة الأولى: القرار الأمريكي لم يكن عفوياً، ولا مارقاً على السياسة الأمريكية، القرار الأمريكي بشرعية المستوطنات جاء بعد عام من المناقشات والتفكير والدراسة والاستشارة القانونية، وهذا يعني التدرج في حسم قضايا الصراع التي أجلتها اتفاقية أوسلو، لقد بدأ الحسم بضم القدس، ثم تصفية قضية اللاجئين، والآن جاء دور الاستيطان، بعد أن حسم موضوع الأسرى خلف القضبان إلى الأبد.
الملحوظة الثانية: الذي هندس القرار الأمريكي هو سفير أمريكا في إسرائيل اليهودي ديفيد فريدمان، وقد حاول انتزاع القرار من وزير الخارجية الأمريكية الأسبق تيلرسون، ولكنه فشل، لينجح مع الوزير بومبيو، وهذا يعكس تأثير اللوبي اليهودي على السياسة الأمريكية، وإضاعة القيادة الفلسطينية لسنوات طويلة من عمر القضية.
الملحوظة الثالثة: الذي صاغ القرار لجنة قادها السفير فريدمان وخمسة محامين من القسم القضائي التابع لوزارة الخارجية الأميركية برئاسة المستشارة القضائية جنيفر نيوستيد، التي تشغل حاليًا منصب المستشارة القانونية لشركة "فيسبوك".
وهذا يفسر الحملة الشرسة ضد مئات النشطاء والمؤثرين الفلسطينيين الذين تم إلغاء حساباتهم على "فيسبوك"، وهذا يؤكد خطل السياسة الفلسطينية التي ستحارب شخص بمومبيو، برفع قضية ضده في محكمة الجنايات الدولية.
الملحوظة الرابعة: اللجنة القانونية الأمريكية المكلفة بدراسة قانونية القرار الأمريكي استعانت بالسفير الإسرائيلي في أمريكا، واستشارت وزارة القضاء الإسرائيلية في الأمر، والتي لم تعترف في الأمم المتحدة بالأراضي المحتلة، وإنما هي أراضٍ مدارة من الإدارة المدنية.
الملحوظة الخامسة: تشريع الاستيطان سياسة أميركية ليست بالجديدة، فقد سبقتها تصريحات أمريكية بالمضمون نفسه، وقرار وزارة الخارجية يحظى بالدعم الكامل من البيت الأبيض، وبعد تفويض كامل من ترامب للوزير بومبيو بهذا الشأن، وخطأ العرب في تشخيص السياسة دون القراءة الموضوعية.
الملحوظة السادسة: لقد تم إطلاع كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم المعارضة على صيغة القرار الأمريكي قبل صدوره، وهذا يؤكد أن تشريع الاستيطان أقوى من الخلافات الحزبية الإسرائيلية، والقرار يعبر عن موقف استراتيجي ثابت في السياسة الأمريكية، ولا يهدف إلى نصرة شخص نتانياهو كما يفسر ذلك البعض.
الملحوظة السابعة: القرار الأمريكي بشرعية الاستيطان جاء بعد أن اطمأن الأمريكان على عدم تصعيد الأوضاع في الضفة الغربية وغزة، وهنا مربط الفرس، وهنا يظهر الحرص الأمريكي على عدم الانفجار الأمني في الضفة الغربية وغزة، وهذا هو الأصل في اتخاذ القرارات الأمريكية، وهنا تضمحل جزر الملح العربية التي استسلمت لأمريكا، وسلمت مصير ملايين العرب للسيف الإسرائيلي، يجز عنق من يشاء، ويلقي البساط الأحمر تحت أقدام من يشاء.
ملحوظة استشرافية: ستكون أولى نتائج القرار الأمريكي إنهاء الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، التي استوفت دورها من وجهة النظر الإسرائيلية، وأكملت مهمتها بنجاح، بعد أن مهدت الأرض من خلال قداسة التعاون الأمني للمرحلة القادمة من صراعات داخلية؛ ستصب إفرازاتها في دهاليز التصفية للقضية الفلسطينية.
إنها الصورة القاتمة التي صنعتها القيادة الفلسطينية عن اقتدار وجدارة.