فلسطين أون لاين

​ثقوا بـ "الغرفة المشتركة" تسلموا

...
غزة/ أسماء صرصور:

"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" الآية رقم (69) في سورة العنكبوت، تبين لنا أن الله يهدي المجاهدين في سبيله للطريق الأقوم والأصلح، وييسر لهم ما يعينهم على نصرة كلمته وإعلاء رايته.

ومع ذلك يخرج من غير العارفين بكواليس المقاومة من يستنكر ويقول ويفتي وهو قاعد في منزله، خلف شاشة حاسوبه أو هاتفه المحمول، ولا يدري كم بذلت المقاومة في سير المعركة.

وهنا لا بد من الوقفة والتحلي بالصبر والثقة في المقاومة وما تخطط له، فهي وجنودها في الميدان ومهمتها الدفاع عن الشعب الفلسطيني، ومهمتنا وحدة الصف خلف بندقيتها.

انتصار الإرادات

المحاضر بالجامعة الإسلامية والداعية الخطيب د. موسى أبو جليدان يؤكد أن دورنا في المعركة بيننا وبين اليهود أن نبقي جذوة الصراع مستمرة حتى يأتي يوم نطردهم منها، ليس بجهودنا نحن فحسب بل بجهود الأمة جمعاء.

ويلفت أبو جليدان إلى أنه من الأمور المعلومة أن الانتصار في الحروب يكون دائما انتصار الإرادات، مشيرًا إلى أن القوة غير متكافئة بيننا وبين اليهود الذين يملكون الأسلحة والعتاد والدعم العالمي من كل حدب وصوب، ونحن شعب محاصر، يُضيّق عليه الخناق، لا يملك إلا وسائل القتال البسيطة.

من ناحيته يؤكد الداعية وجدي الحميدي الأمر ذاته، ويرجعه إلى أصل القضية فالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي صراع غير متكافئ.

ويشير إلى أن الجميع يعلم أن العدو يملك ترسانة عسكرية قوية، ويُعدّ جيشه من الجيوش القوية في الشرق الأوسط.

ويتابع الحميدي: "فمن الطبيعي أن أي شعب يريد دفع هذا العدو، لا بد أن يبذل الغالي والنفيس ويقدم الشهداء والجرحى في سبيل دفعه"، مؤكدًا أن هناك مخرجات لكل جولة ومعركة قد لا تروق لكثير من الناس، وبالأخص النتائج المادية والبشرية ذات الأثر العصيب على أنفس الناس.

ويستدرك أبو جليدان بقوله: "لكن ما حدث في الوقت نفسه أحدث إرباكًا للعدو وصداعًا، حتى أن أكثر من مليونيْ شخص هربوا إلى ملاجئهم خوفًا وهلعًا"، منبهًا إلى أن هذا الوضع الذي يعيشونه يدلل على أن المقاومة انتصرت بفضل الله تعالى، فالأمور لا تقاس بعدد الضحايا.

وهو ما يؤكده الحميدي: "نحن في حلقات صراع مستديمة فلكل جولة ولكل حلقة مقدماتها ونتائجها التي نتفق أو نختلف عليها"، مشددًا على أنه في المجمل ليس من الصواب أن نجلد أنفسنا وذواتنا.

التطبيب سنة إلهية

ويدلل أبو جليدان على ذلك بقصة أصحاب الأخدود الذين استشهدوا جميعًا، ومع ذلك عده الله عز وجل انتصارًا، وما حدث في صلح الحديبية عندما كان الصحابة ينظرون إلى الشروط بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش، على أنها مجحفة بالمسلمين، ومن ذلك اعتراض عمر بن الخطاب وغيره من كبار الصحابة رضي الله عنهم، لكن لما تجلت الأمور ورأوْا النتائج، سماه الله الفتح المبين، ففي قوله: "إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا" كان يتحدث عن صلح الحديبية، وكان هذا الفتح بعد سنتين.

ويدلل الحميدي على أن الله تعالى عقّب على خسارة المسلمين في غزوة أحد بما يقارب الـ 12% من جيشهم، حينما استشهد 70 جنديًا من أصل 614 تقريبا، بقوله: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" تطبيبا للجراح.

ويوضح أن دور المثقف والداعية والإعلامي وغيرهم أن يعلوا همم الناس، ويذكروهم أننا في حالة مدافعة وصراع، فلو كانت هناك بعض العثرات في بعض الجولات لا بد أن نتذكر التاريخ ونذكر أن الصحابة في بعض الجولات خسروا كثيرًا من الدماء.

زوبعات في فنجان

أما ما يتعلق بقضية الذين يحاولون الآن أن يثيروا في ساحتنا الفلسطينية نوعًا من الشقاق والخلاف –كما يقول أبو جليدان- فهذه زوبعات في فنجان، ولن يفلحوا في ذلك أبدا، ولن تشق صف المقاومة، مشددًا على أن أصل المقاومة لا يكون إلا في صف واحدٍ لقوله عز وجل "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ"، والشاعر يقول: "وما المرء إلا بإخوانه كما تقبض الكف بالمعصم، لا خير في الكف مقطوعةً ولا خير في الساعد الأجذم"، وتبارك وتعالى نهانا عن الاختلاف بقوله: "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ".

ويتابع المحاضر الجامعي: "ونحن نرى أن الأعداء اليوم يتربصون بالمقاومة الدوائر، ويتحينون الفرص لكي يزرعوا بذور الشقاق والخلاف بين أجنحة المقاومة، إذ أغاظتهم الغرفة المشتركة، حتى أنها أشد غيظًا لهم وملأت قلوبهم حسرةً وألمًا"، مضيفًا: "لذلك هم اليوم يثيرون عبر وسائل الإعلام وعبر مواقع التواصل ما يزرع الشقاق والخلاف".

وينبه الحميدي إلى أن الشعب الفلسطيني لو كان يملك الجهوزية التامة بما يوازي عتاد العدو لحدثت نكاية كبرى في المحتل، ولما مكث على أرضنا، وتجاوزنا مرحلة الاحتلال، مضيفًا: "هذه جولات مدافعة، تنتصر في جولة وتخسر في جولة أخرى، والنتائج لا تكون بحسب كل جولة، ولكن بالتراكم والمجمل".

ويلفت إلى أنه في المجمل فإن نصرنا الحقيقي هو دوام النفس المقاوم والاستعداد للصمود حتى زوال المحتل، وإن كسر شوكة المقاومة صار من المستحيل ويدرك ذلك المحتل الغاشم.

عدونا يخشى وحدتنا

ويشيد أبو جليدان بقيادة فصائل بإصدارها بيانًا يدعو للتريث واللحمة والوحدة، ما يدل على أن محاولات العدو ستؤول لفشل ذريع، والمقاومة موحدة، والوحدة لن يؤثر فيها أحد، كما قالوا: "أصابع كف المرء في العد خمسةٌولكنها في مقبض السيف واحدُ"، مشيرًا إلى أننا شعب واحد ومقاومة واحدة وقضيتنا واحدة ولن نختلف بإذن الله، ويؤلف إيلام الحوادث بيننا وَيَجمَعُنا في اللَهِ دينٌ وَمَذهَبُ.

ويتابع الحميدي: "أي عثرة تحدث خلال جولات الصراع فليعالجها أهل الاختصاص بعيدا عن الإعلام، والأصل ألا ننشر كنشطاء أو إعلاميين أصحاب رسالة إلا ما يعزز ثبات المقاتل، ويبث الأمل بين الناس، ويزيد الثقة بفصائلنا المقاومة ويشد أزر أهالي الشهداء، حتى لا يشعروا أن دماء أبنائهم ذهبت هدرًا".

ويؤكد أن الجولة الأخيرة أثبتت أن العدو أصبح يخشى الحرب المفتوحة التي لا يعرف عقباها، ويخشى من إطالة مدى التصعيد، لافتًا إلى أننا كنا سابقًا نرى هذا العدو يتجول في مخيماتنا في القطاع يعتقل ويقتل من يشاء، خلال احتلاله غزة، أما اليوم فهو يخشى أن يطل برأسه من دبابته خشية القنص بل تتوارى الدبابة بالكامل خشية الكورنيت، وهذا منجز كبير للمقاومة الفلسطينية.

تمسكوا بالغرفة المشتركة

وينصح الداعية أبو جليدان كل أطياف فلسطين، الذين رأى منهم تراشقًا للاتهامات وهو يعلم إخلاصهم وحرصهم على المقاومة، أنه لا تنبغي العجلة لأن الميدان يقاد بحكمة واقتدار ولعل الأدوار تقتضي العمل بمراحل متعددة، ووحدة الصف تتطلب تبادل الأدوار، والعجلة غير مطلوبة وأهل الميدان أدرى بأنفسهم، منبهًا إلى أن من يتكلم بكلمة فيها همز أو لمز لعله بذلك يكون مساهمًا في إثارة الفتنة والبلبلة.

وأخيرا يوجه الحميدي نصيحة لجميع قادة وأبناء الفصائل بقوله: "إن شللا وكسرا في العتاد والمادة ينجبران ويعالجان، لكن إن أصابنا شلل عضوي في جهازنا الأخلاقي وملَكاتنا النفسية فإن هذا يعيقنا عن التحرك السليم، فعليكم بالتمسك بأعظم منجز، ألا وهو الغرفة المشتركة".

ويختم: "عودوا إلى غرفتكم المشتركة وقيّموا لتُقوِّموا، واستدركوا لتغنموا، واعتصموا بحبل الله لتسلموا، ولا تفرقوا فتندموا".