انتقد الكتاب والمفكرون الفلسطينيون صمت قيادة السلطة الفلسطينية إزاء الاعتداء الإسرائيلي الأخير على أهل غزة، حتى خرج قادة تاريخيون من حركة فتح، وأدانوا صمت السلطة الفلسطينية، وإغفاءة عينها عما يجري على أرض غزة من ذبح وقتل وتشريد، وانتقد الكتاب والسياسيون لا مبالاة السلطة إزاء جريمة تصفية ثمانية مدنيين من عائلة السواركة، كان يجب أن تكون مركز الحدث والمتابعة على كل المستويات السياسية والدبلوماسية والجنائية، وليس على مستوى الإعلام فقط.
لقد اقترح بعض الكتاب على قيادة السلطة الفلسطينية أن تنكس العلم لثلاثة أيام حداداً على مقتل ثمانية أطفال ونساء مدنيين، ولكن السلطة لم تفعل ذلك، واقترح بعضهم دعوة جامعة الدول العربية لمناقشة الجريمة الإسرائيلية البشعة، واتخاذ موقف عربي، ولكن السلطة لم تفعل ذلك، واقترح آخرون دعوة مجلس الأمن ولجان حقوق الإنسان لمحاسبة مقترفي الجريمة، ولم يحدث ذلك، وطالب بعض السياسيين من قيادة السلطة تجميد العمل بالاتفاقيات الموقعة مع (إسرائيل)، وسحب الاعتراف بالدولة الإرهابية، وبالغ بعض القانونيين في مطالبته، فراح يطالب بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، وطالب الكتاب بوقف التعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية.
لم يحدث شيء من كل ما سبق، واكتفت السلطة الفلسطينية بالإدانة التقليدية، ولم تتخذ أي خطوة عملية، لم تغضب، لم تكسر الأواني، لم ترسل للإسرائيليين أي رسالة مقت وتمرد وسخط، وأظن أن هذا بحد ذاته كان المشجع الأول للعدوان الإسرائيلي الذي أمسى يعرف محدودية رد فعل السلطة، وبات يعرف أن نار الغضب العربي ستنطفئ دون أن تخلف جمراً سياسياً يحرق أصابع العدوان.
قد يقول البعض: إن القيادة الفلسطينية ناشدت دول العالم والمجتمع الدولي للتحرك السريع والعاجل لوقف العدوان، والقيادة الفلسطينية أعابت على المجتمع الدولي عدم الفعل، والاكتفاء بالإدانة، والقيادة الفلسطينية لا تغفل عن توثيق كل اعتداء صغير على أرض غزة والضفة الغربية، وكل هذا الكلام صحيح، ولكن القيادة الفلسطينية التي تطالب دول العالم بالتحرك كان الأولى بهذه القيادة أن تتحرك هي على الأرض، وقبل أن تطالب القيادة الأمم المتحدة بالعمل الجاد على إنهاء الاحتلال كان الأولى بالقيادة أن تعمل ميدانياً لإنهاء الاحتلال، وكان الأجدر بالقيادة ألا تنتظر مشورة الكتاب والمفكرين والسياسيين كي تقوم بواجبها، فالذي رضي لنفسه أن يكون قائداً لشعب المقاومين عليه أن يكون مقاوماً، وأن يكون مقداماً، وأن يكون فدائياً على أهبة الاستعداد للتضحية بحياته وولده وممتلكاته في سبيل حرية شعبه.
فهل ارتقى موقف القيادات الفلسطينية في التضحية إلى هذا المستوى الذي يرعب الأعداء؟
وهل اختلف رد فعل القيادة الفلسطينية من مجزرة دير البلح عن رد فعل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والدول العربية وحلف الناتو؛ الذين أصدروا البيانات اللفظية التي لا تردع معتدياً، ولا تؤازر مظلوماً، وإنما تكشف عن النكبة الحقيقية للقضية الفلسطينية منذ المجزرة الأولى؟