فلسطين أون لاين

السلطة الفلسطينية.. من فشل إلى فشل (2-2)

...
معتصم حمادة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

(3)

من الفضائح التي لحقت بالسلطة في الأيام الماضية قرارها بحجب (59) موقعًا إلكترونيًّا، أصدرته محكمة الصلح في مدينة رام الله.

الوقائع الدقيقة والحقيقية كما تم الكشف عنها لـ"الحرية"، أن أجهزة الأمن والمخابرات في الضفة الفلسطينية طلبت إلى أفرعها تقديم أسماء وعناوين المواقع الإلكترونية الناشطة في الضفة، والتي بدأت تزعج السلطة في منشوراتها الإعلامية. وأن الأجهزة جمعت لائحة ضمت (59) عنوانًا. أحالتها رئاسة المخابرات العامة فورًا إلى محكمة الصلح في رام الله، التي أصدرت قرارًا عاجلًا بحجبها. وبذلك يكون القضاء قد ارتكب خطيئة سافرة إذ كان يفترض أن تحال اللوائح إلى النيابة العامة، حتى تبت بها، ولا تحال إلى المحكمة، فمرجعية المحكمة في إقامة الدعاوى والبت بها هي النيابة العامة، وعندما تتحول المحكمة إلى أداة بيد الأجهزة الأمنية، فهذا معناه أن القضاء بات تحت سلطة الأمن والأجهزة الأمنية، وأنه يفتقد إلى الاستقلالية. فضلًا عن كون العملية توضح مدى الفوضى التي يعيشها القضاء في السلطة الفلسطينية.

التدقيق في اللائحة التي حملت أسماء المواقع المحجوبة يبين أن العدد الحقيقي للمواقع هو (48) موقعًا، وأن بعض المواقع وردت أسماؤها مرتين. أي أن جهاز المخابرات اعتمد "ترشيحات" الفروع دون تدقيق في الأسماء المكررة هنا وهناك، وأن المحكمة نفسها صادقت على قرار الحجب دون أن تدقق بالأسماء المكررة. وهذا شكل آخر من أشكال الفضيحة القانونية والقضائية والسياسية... والأمنية.

كما لوحظ في السياق أن الحكومة في السلطة الفلسطينية كانت آخر من يعلم، أي كالزوج المخدوع. لم يكن رئيس الحكومة على علم مسبق. ولم يكن وزير العدل هو الآخر على علم مسبق. طبعًا إلى جانب النائب العام نفسه. ما أحرج المستوى السياسي في السلطة، وأرغم رئيس الحكومة على الطلب إلى الجهات المعنية لإعادة النظر بالقرار.

الفضيحة الجديدة تمثلت في أن القرار أعيد إلى المحكمة الأعلى من محكمة الصلح في رام الله، في وقت تقتضي القوانين إعادته إلى النائب العام التمييزي الذي من صلاحياته تأكيد الاتهام أو نفيه، وبالتالي البت بالقضية قبل إعادتها إلى المحكمة.

كان من الطبيعي أن تثير هذه الفوضى، وهذه الفضائح ردود فعل صاخبة، خاصة وأن الذريعة كما وردت في القرار القضائي، أن هذه المواقع تشكل «خطرًا على الأمن القومي للسلطة». هذه بحد ذاتها تهمة يستحق عليها أصحاب المواقع المحجوبة أن يحالوا إلى القضاء إن هي صحت. ولأن القضاء يعرف أن هذه الإحالة ستشكل له فضيحة جديدة، لأنها ستكشف الحقيقة التي تقف وراء الحجب، وهي أن هذه هي مواقع المعارضة الفلسطينية لسياسات السلطة وأدائها. أي أن السلطة باتت تتغول في القمع وإسكات الرأي الآخر، وكمّ الأفواه، وصولًا إلى مستوى خطير بات يهدد سلامة الحياة السياسية.

الطريف، والمخزي في آن، حق أن قرار الحجب تزامن مع الدعوة للانتخابات، وكأن أحد أهداف الحجب هو إسكات الأصوات المعارضة في خضم المعركة الانتخابية، لصالح طرف دون آخر. وهذا شكل آخر من أشكال التعدي على الحد الأدنى من الديمقراطية. وهذا إثبات جديد على حالة الفوضى والاهتراء التي تعانيها السلطة وترهلها، وفشلها في إدارة الشأن العام

(4)

من الفضائح التي لا تتوقف تسلسلًا في أداء السلطة، هي قضية وقف استيراد العجول الحية من (إسرائيل)، والاستعاضة عنها بمصادر أخرى. علمًا أن 90% من العجول التي تصدرها إسرائيل لمناطق السلطة، هي بالأساس مستوردة من خارج إسرائيل وليست صناعة إسرائيلية. فقط 10% تعتبر صناعة إسرائيلية. ما يعني أن هناك شبكة من الكومبرادور بين تجار السلطة وتجار إسرائيل هم المستفيدون من هذه العملية والبالغة قيمتها سنويًا 120 مليون دولار.

(إسرائيل) هددت بإغلاق المعابر أمام الحركة التجارية للسلطة استيرادًا وتصديرًا. ومنعت عمليًا، استيراد العجول من مصادر أخرى. ما أدى إلى أزمة لحوم في مناطق السلطة، وارتفعت أسعار الكيلو الواحد من (45) شيكل إلى أكثر من (65) شيكل. وما أدى كذلك إلى حدوث ندرة بضائع في الأسواق الفلسطينية، وإلى تهافت المواطنين على تخزين المواد الغذائية، فارتفع الطلب، في ظل عرض عادي، ما أدى، كذلك إلى ارتفاع في الأسعار.

هذه الفوضى في الأسواق، تحملت مسؤوليتها حكومة السلطة، وبشكل خاص وزارة الاقتصاد، التي تتخذ قرارات مرتجلة.

هناك إجماع على ضرورة مقاطعة المنتج الإسرائيلي، والانفكاك عن اقتصاد (إسرائيل)، واللجوء إلى خيارات أخرى.

فضيحة السلطة أنها لا تملك رؤية لتطبيق قرار المقاطعة، بل هي تلجأ إلى قرارات مرتجلة، سرعان ما تصطدم بنتائجها السلبية، فتعود عنها خائبة ، ما يلحق الضرر بسمعة السلطة وسمعة الحالة الفلسطينية، وما يشجع البعض على الادعاء باستحالة مقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي.

لمعالجة أزمة العجول لجأت السلطة إلى «الحوار» مع (إسرائيل). واتفق الطرفان على معالجة بديلة للقضية، دون الكشف عن هذا البديل.

بيان الحكومة قال: إن الحكومة مستمرة في مقاطعة العجول الإسرائيلية ومقاطعة استيرادها من تجار إسرائيليين، لكنها، «استثناء» سوف تحافظ لبعض التجار الفلسطينيين على رخصة استيراد اللحم الحيّ من (إسرائيل).

ما مدى هذا «الاستثناء"»؟ ما حجمه؟ وإلى أي مدى سوف يستثمر؟ وما الخطوة التي ستترافق مع هذا «الاستثناء» حتى لا يتحول إلى «حل دائم»؟ وما الضمان أن سلطات الاحتلال ستتوقف عن «التشويش» على حركة الأسواق الفلسطينية، عبر عرقلة التصدير والاستيراد عبر المعابر؟

فضيحة أخرى من فضائح السلطة، تبرز كم هي عاجزة عن وضع خطة متناسقة للخروج من «بروتوكول باريس الاقتصادي»، وكم هي عاجزة عن توفير الأمن الغذائي للمواطن، بعد أن فشلت في تأمين الأمن الاجتماعي والوظيفي، بما في ذلك دفع رواتب الموظفين في مواعيدها، وبموجب استحقاقاتها، غير منقوصة. والحبل على الجرار...