وقف الأردن شعباً وحكومة وملكاً موقف الرجال، وسحبوا السفير الأردني من تل أبيب، وأقسموا بالله أن الأردن لن يسكت على عذاب أبنائه خلف الأسوار الإسرائيلية، وكانت النتيجة المضمونة، فقد خضعت حكومة إسرائيل، وانكسرت عنجهية الاحتلال، وتم الإفراج عن الأسيرين هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي، ليتحقق بذلك منطق الندية، ويعلو شرف الأردن؛ الذي ما زال يخوض حرب انتزاع أرض الباقورة والغمر من أيدي الصهاينة.
نجاح الأردن في تحرير أسراه، وتعاضد الأردن كله من أجل أسيرين يذكرنا بآلاف الأسرى الفلسطينيين القابعين في المعتقلات الإسرائيلية منذ عشرات السنين، فبمقدار فرحتنا بحرية الأسرى الأردنيين بمقدار حزننا للتغافل عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، فالأردن شقيقة فلسطين، والأردني هو عربي فلسطيني، والفلسطيني هو عربي أردني، وهذا الانتماء يفرض علينا التساؤل عن دور الأردن تجاه الأسرى الفلسطينيين، وهل مجرد حمل الجنسية الأردنية يجعل الأسير محصناً، وحمل الجنسية الفلسطينية يجعل الفلسطيني مهاناً منتهك الحرية؟
كم تمنينا أن يقف الأردن شعباً وحكومة وملكاً مع الأسرى الفلسطينيين، ولاسيما في ظل القصور الواضح والفاضح للسلطة الفلسطينية تجاه الأسرى، وطالما كان الشيء بالشيء يذكر، فإننا نفتخر كعرب بموقف الأردن من أجل أسيرين لم يمكثا خلف الأسوار إلا سبعين يوماً، وننكس الرأس إزاء موقف السلطة الفلسطينية التي لم تحرك ساكناً من أجل آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين مكثوا خلف الأسوار عشرات السنين، بل وصلت سنوات أسر كريم يونس إلى 36 عاماً، ووصلت سنوات أسر مروان البرغوثي إلى 16 عاماً، وهذه سنوات سجن كفيلة بأن تحرك الصخر، وأن تتشقق لها السماء، وأن ينفطر لها وجه القمر حزناً على العربي الفلسطيني اليتيم الذي لا يجد له أباً، ولا ترعاه أمٌ، ولا يشفق عليه شقيق.
طريق تحرير الأسرى بات معروفاً، فقد نجحت حركة حماس، وبالعصا الفلسطينية الغليظة، نجحت في تحرير مئات الأسرى من السجون الإسرائيلية ضمن صفقة تبادل وفاء الأحرار، ونجحت الأردن بالدبلوماسية، وبالضغوط الشعبية، نجحت في الإفراج عنأسيرين أردنيين، ليبقى السؤال الحائر عن دور السلطة الفلسطينية؟ وماذا ستفعل؟ وكيف ستحرر الأسرى الفلسطينيين بعد عشرات السنين؟ وهل الصمت والانتظار والبكاء والرجاء سيحرر الأسير وليد دقة أو الأسير إبراهيم أبو مخ؟
مأساة الأسرى الفلسطينيين يجب أن تكون قضية عربية أردنية، فطالما قصرت السلطة، وخذلت الأسرى، وتخلت عنهم، ونامت على وسادة التعاون الأمني دون أن توفر أدنى متطلبات الأمن للمواطن الفلسطيني الذي تقتحم مدنه وقراه العربات الإسرائيلية، لتعتقل في كل ليلة العشرات من الشباب الفلسطيني، فإن اللجوء إلى العرب، والاستنجاد بالأردن شعباً وحكومة وملكاً هو الطريق الأقصر لتحرير الأسرى، فإن لم يكن إلى ذلك سبيلاً، فإن نهج المقاومة هو الحل، إنه أقصر الطرق لكسر عنق العناد الإسرائيلي، وفرض الإرادة الفلسطينية من خلال الندية، والمواجهة الميدانية.