فلسطين أون لاين

​في رحاب مركز الوفاء لرعاية المسنين

...
هالة زيادة

نسمع، ونشارك في الحديث، ونلقي نصائح ومواعظ، ويتقبل بعضنا كلام بعض أو يرفضه، ولكن الرؤية بالصوت والصورة شيء مختلف، ترى نفسك على المدى البعيد ماذا ستكون نهايتك، وقد لا تكون بعيدة، قد تكون أقرب من رمشة عين، فهي ليست بالعمر، ولكن مقدرات الله لنا ولا خيار لنا فيها.

وإن تحدثنا عن أشياء تصيبنا، فالأولى الحديث عن الابتلاءات وأعظمها الصحة، ثم فقد الولد أو المال، وغيرها من الابتلاءات، فلو تحدثنا عن رجل أو امرأة يملك من المال الكثير، ولكن لا توجد لديه صحة، أينفعه المال؟!، أو لا يستطيع الإنجاب أينفعه ماله؟!، أو لديه المال والأبناء والصحة، ولكن لم يحسن تربية أبنائه، وهذا أصعب من المرض، لأن ذلك يعني أنه لو لم ينجب لكان أفضل، ولهذا نجد أنه لا يوجد كثير من الناس المسرورين بحالهم، لأن لا أحد يأخذ كل ما يتمنى.

الذي دفعني لما سبق هو أنني شاركت في زيارة إلى مركز الوفاء لرعاية المسنين ضمن مجموعة شبابية، وفي أثناء ذلك كنت عاجزة عن التعبير والكلام، وأنظر من بعيد وأخاف أن يفهم الجميع أنه استعلاء أو أي أمر آخر غير لائق بي ولا بحرمة المكان، لا والله، ولكن الحقيقة كان ذهولي مما أرى وشعوري بعجز لا يمكن وصفه، فقد تخيلت نفسي مكانهم، فلا يوجد على رأس أحد خيمة تحجب عنه ما هو مقدر له، إما بمرض قريب أو إعاقة بأي شكل كان، أو نكبر في السن ويعجز من حولنا عن تحملنا وتقبلنا، خصوصًا إذا أصبنا بفقدان العقل الذي لا توجد إعاقة أقوى منه، وصغر السن أو كبره ليس شرطًا للإصابة بالأمراض، ولكن مشيئة الله واختباره صبر بعضنا على بعض وتقبلنا قضاءه وقدره تبقى حتمية لابد من وجودها، وأن نحمد الله على كل شيء.

في مركز الوفاء شاهدت ذوي الإعاقة الحركية والذهنية، وآخرين مصابين بالزهايمر، ووجدت حالات شبه ميؤوس منها، وحالات قابلة للتحسن، وأخرى يستطيع الأقارب تحملها والاعتناء بها من باب أولى، ولا ألقي اللوم على أحد، لكل أسبابه التي يستطيع أن يسوغ بها وجود هؤلاء الأشخاص في مكان كهذا، وعندما سألت الحكيمة هناك وبعض الشباب المتعاونين العاملين كان الرد ليس لديهم أقارب درجة أولى، يعني لم يرزقهم الله أبناء، ولكن لديهم أقارب إخوة وأخوات ولكنهم عاجزون عن الاعتناء بهم، إما لأحوالهم الصحية، أو حالتهم الاجتماعية التي لا تجعلهم يتقبلون حالتهم التي جدت عليهم، أو يكونوا خلقوا بها، أو كبر سنهم وعجزهم وضعفهم في قضاء حوائجهم.

ويقوم على خدمة هؤلاء المسنين في المركز شباب في عمر الزهور، يبذلون أقصى جهدهم في مساعدتهم، وهو عمل ليس بالهين، ويتضح في رعايتهم والاهتمام بنظافتهم وطعامهم وشرابهم وغيرها.

ولكنني تفكرت وتأملت كثيرًا، وقلت في نفسي: إن كان هناك أقارب يستطيعون خدمة هذا المسن أو ذاك ولا يفعلون، فإن هذا يثير حسرتي، هل نصبح هكذا بعد أن كنا من الرحم نفسه، نأكل من الطبق نفسه، تجمعنا الغرفة نفسها بسقف يؤوينا جميعًا، وبعد أن تصبح لكل منا حياته الخاصة وزوجته أو زوجها التي تعرف إليها أو تعرفت إليه تصبح عائلته غريبة؟!، لماذا يصبح هكذا الحال إلى درجة الاستغناء عن دمنا ولحمنا ونضعه في المؤسسات الخيرية لترعاه؟!

ولكن تجدر الإشارة إلى أنه لدى سؤالي طبيب العلاج الطبيعي فسر لي أن بعضًا من الأفضل أن يكونوا بهذا المكان، لأنهم يحتاجون إلى رعاية طبية وتدخل طبي في أي وقت، وأن منهم فعلًا لا يوجد أحد ليهتم بهم، تعددت الأسباب والمكان واحد.

وعلى أي حال حري بي التذكير بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"، هذه الفئة من الناس بيننا، وهي المسنون، يجب الإحسان لها، وأن نتحقق دومًا أنهم في جدول أولوياتنا، ولا يكفي زيارتهم في يوم معين من العام، بل أن تكون هناك جولات متكررة منظمة بين الحين والآخر، تحت إشراف ورعاية المؤسسات الحقوقية والإنسانية، والتشجيع على ذلك ببرامج توعوية لحمايتهم من أن يعيشوا ما تبقى من حياتهم في وحدة وعزلة عن الجميع.

هؤلاء المسنون هم إخوة وأخوات وأقارب، وربما لو حالفهم الحظ كانوا آباء وأمهات، ولو وضعنا بعين الاعتبار أنهم آباؤنا وأمهاتنا، أو سنكون مثلهم يومًا ما؛ لاجتهدنا في التواصل معهم، والتخفيف عنهم، والسعي إلى تقديم خدمات لهم، متى سنحت لنا الفرص، وإن أردنا ذلك يتحقق بإذن الله .