لقد خلق اللهُ الناسَ مختلفي الطبائع والرغبات والميول، متعددي الألوان والألسن والأفكار وبنظم تمثيلية متباينة، فمنهم السمعي ومنهم الحسي وكثير منهم البصري، فهم بحاجة إلى أساليب حوار وطرق كلام تناسب قدراتهم المتنوعة والمتعددة، وصدق القائل: "خاطبوا الناس على قدر عقولهم"، وعليه يمكن تقسيم مراحل وخطوات التعامل الفاعل مع الناس إلى خمس مراحل:
أولاً: مرحلة حسن الخلق
وهي سمة أساسية ورئيسة قديماً وحديثاً عززها المولى حين أثنى على نبيه قائلاً: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران، 159)، فكسب القلوب والمواقف برحمة ولين وخلق حسن، وهذا معاوية بن أبي سفيان يقول: "ولو أنَّ بيني وبين الناس شعرة ما انقَطَعَت، كانوا إذا مدُّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مدَدْتها"،هي حبل الود والتفاهم الذي كان يحرص معاوية (رضي الله عنه) دائمًا على المُحافظة عليه بينه وبين من حوله، لكي يتمكَّن من نَيْل ولاء الجميع وحبهم واحترامهم.
وكأن أفلاطون وصف سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) قبل آلاف السنين من البعثةالمحمدية حين قال: "الرجل الصالح من يحتمل الأذى ولكن لا يرتكبه"،ليتطابق مع من جميل سيرته يوم انتقل إلى الطائف وكيف قابله أهلها بالأذى والإساءة ورد عليهم بكلمات غاية في جمال الروح والنفس: "اللهم اهد ثقيفًا وائت بهم مسلمين".
ثانياً: الذوق الراقي
وفي ذلك يقول عطاء بن رباح أعلم التابعين: "إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت كأنني لم أسمعه وقد سمعته قبل ما يولد"، غاية الأدب والاهتمام بالمتحدث، ورقي في الذوق الرفيع.
ثالثاً: إدارة العلاقات مع الناس
من أبجديات التعامل مع الآخرين وإدارة العلاقات معهم أن يركز على ما يقوله الآخرون، وليس فيما يريد أن يقوله هو بعد ذلك، محافظًا على نفسه هادئاً متماسكاً، متجنبًا إصدار الأحكام على الآخرين، إذ إنه لا يعلم بالظروف التي قد يمر بها الآخرون، فقد يتصرف الفرد بطريقة غير مناسبة نتيجةً لشعوره بالخوف، أو الضعف، وعليك إظهار الاحترام عند التعامل مع الآخرين بغض النظر عن الطريقة التي يتعاملون بها، فإظهار الاحتقار لن يأتي بخير.
رابعاً: التأثير
إن التعامل مع الناس بالطريقة نفسها التي يحب أن يعاملوه بها، فيلقي التحية عليهم عند التقائهم، ويحترم خصوصيتهم وآراءهم وممتلكاتهم بكلمات رقيقة ومصطلحات رفيعة، مقدماً المساعدة دون انتظار، كلها مؤشرات ودلالات على شخصية قوية ذات تأثير في من حولها.
خامساً: الجاذبية
إن حضور الشخصية وجاذبيتها وإعطاء الناس انطباعًا إيجابيًّا كلها مفاتيح نجاح ومغاليق فشل، وتفيد الدراسات أن من يتعلم كيف يتعامل مع الآخرين يحقق 85 % من طريق النجاح، وهذا الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت يكشف أسلوبه وطريقته في جذب قلوب الناس، فكان يقضي وقتًا طويلًا في حفظ أسماء من حوله، والأروع منه حبيبنا محمد كان ينادي صحابته الكرام بأجمل الأسماء والكُنى حين يستصرخهم أو يداعبهم، هكذا هم العظماءيدقون العقول من بوابة القلوب ودغدغة العواطف والمشاعر.