فلسطين أون لاين

​نقود لا مثيل لها سكّتها غزة في القرن الخامس قبل الميلاد

...
صورة أرشيفية
محمد العجلة- كاتب فسطيني

بصدور كتابه الجديد، يواصل المؤرخ والجغرافي الفلسطيني والباحث في التراث والنقود، سليم عرفات المبيض، كشوفاته واكتشافاته لمختلف الجوانب المتعلقة بغزة هاشم، من نقود وشخصيات وسير ذاتية وآثار وتراث وأمثال ومواقع ومواضع وتاريخ وغيرها، وهو مشروع وطني ثقافي ضخم بدأه سنة 1987 بكتابه "غزة وقطاعها دراسة في خلود المكان وحضارة السكان".

وحينما تجالسه تشعر أن غزة كنز لم يُكتشف بعد، بتاريخها الزاخر والمعارك التحولية التي دارت على أرضها وبطولاتها وشهدائها والأمم التي تعاقبت عليها والأحداث الكبرى التي شهدتها، وآثارها فوق الأرض وتلك المدفونة في باطنها.

كأن لدى سليم المبيض شعورا بأنه مسؤول عن حفظ ذاكرة غزة وتسجيلها وتوثيقها وشرحها بين دفات الكتب خوفاً عليها من الضياع مع مرور الزمن، أو خوفاً من السطو عليها وتشويهها من قبل الاحتلال الذي يتربص بالشعب الفلسطيني سياسياً وثقافياً واقتصادياً.. إلخ، وهو لهذا السبب عاش ويعيش منتبهاً لكل قصة ورواية وحكاية، أو قصاصة ورق أو مذكرات شخصية علاها الغبار والنسيان، وتصرف بروح الحارس الأمين، لكل ما وقع بين يديه، بل وفي كثير من الأحيان كان يجتهد أيما اجتهاد في إقناع أهل وورثة صاحب الأوراق أو المذكرات أن يفرجوا عنها لدراستها وتوثيقها قبل أن يأتيهم الرحيل.

وفي كتابه الجديد الذي حمل عنوان "مجموعتي من نقود غزة في القرن الخامس قبل الميلاد - نقود لم يجاريها شكلاً وموضوعا نقود" يغوص عميقاً قارئاً ومستقرئاً ومتأملاً ومحللاً 450 قطعة نقدية فضية "نادرة جداً، بل لا مثيل لها، وتنشر لأول مرة من حيث الكم والكيف". وهذه النقود قامت بسكها مدينة ميناء غزة "أنثيدون" أي الزهرة البيضاء في القرن الخامس قبل الميلاد.

ومن خلال البحث المعمق لهذه القطع، وجد الباحث المبيض أنها "معجزة" في حجمها ووزنها "النقود العدسة كما سماها"، وما سُك على مساحتها الضيقة من صور الحكام المحليين وقادة وسلاحف وأسود وفرسان وسفن وطيور. وقبل هذا الجهد الكبير الذي بذله في تحليل محتواها، بذل جهداً لا يقل عنه بل ربما أكثر منه في البحث عنها وجمعها واقتنائها. وكيف لا، وهو الذي قال في أكثر من مناسبة إن كنت تريد معرفة تاريخ شعب تتبع النقود التي تم تداولها وطوابع البريد التي استخدمها، وهي كفيلة بأن تشي لك بأسرار تاريخه.

ولك أن تتخيل كم من الجهد والموهبة والصبر والمثابرة والثقافة، تحتاج دراسة هذه المئات من النقود صغيرة الحجم، وربما احتاجت قطعة واحدة إلى ساعات أو أيام من البحث والتدقيق والرجوع إلى المصادر الموثوقة والربط بين المعلومات للتوصل إلى نتيجة علمية ومنطقية.

الكتاب الجديد يقع في ٢١٦ صفحة من القطع المتوسط، وصادر عن مكتبة اقرأ الجديدة في غزة. ويحتوي في غالبية صفحاته على رسم للقطعة المعدنية "العملة" وإلى جانبها توضيح وشرح عن محتواها. وهو الثالث للباحث المبيض عن النقود والخامس والعشرون من مجموع مؤلفاته عدا عن الكتب التي تنتظر الطباعة، إضافة إلى عشرات الملفات المصنفة لديه وتنتظر الانتهاء منها إذا أسعفه الوقت الذي يسابقه بكل ما أوتي من قدرات.

سليم المبيض شيخ في تجربته وخبرته وإنجازاته، شاب في مثابرته وتطلعاته وسباقه مع الزمن. وعاش حياته معلماً في المدارس والجامعات وبين الكتب والقراءة والتأليف. وهو شديد الإشفاق على أولئك الذين يضيعون وقتهم بلا فائدة، وأولئك الذين لا يقرؤون ولا يطالعون، وهو لا يألو جهداً في حث جلسائه ومحبيه على تنمية ملكة القراءة والتفكير وحتى الكتابة، فالقراءة كما يقول لها فوائد لا تعد ولا تحصى.

وأكثر ما يتمنى الباحث سليم المبيض كما سمعت منه شخصياً، بخصوص كتبه ومؤلفاته ومنها هذا الكتاب الجديد، أن يقرأه المهتمون والمثقفون والكتاب وكل الناس، ويناقشوه أو يبدوا رأيهم، وحتى سيكون سعيداً لو أبدى أحدهم أي ملاحظات أو نقد بناء، فهذا يثري العمل ويغنيه، ويحث الكاتب على مزيد من الاجتهاد والإبداع.