مما لا شك فيه أن صفقة القرن هي الصيغة الجديدة للمشروع الأمريكي في المنطقة، من أجل تعزيز سيطرته وهيمنته عليها، وفي الدفاع عن الكيان الصهيوني وحمايته ومده بكل أسباب القوة لأداء وظيفته الإمبريالية كقاعدة متقدمة للدفاع عن المصالح الإمبريالية، وإجهاض أي محاولة ثورية عربية تهدد مصالحها، وتستهدف استنهاض النضال القومي، ومحاولة انتشال العولمة الرأسمالية الإمبريالية من أزمتها البنيوية الشاملة التي بدأت مقدماتها النوعية في الأزمة المالية عام 2008، والتي تُبشّر ببداية انهيار القطب الواحد وانحسار الدور القيادي لأمريكا، ونضوج مقدمات نشوء نظام دولي بديل متعدد الأقطاب تلعب به كلًا من الصين كقوة اقتصادية وروسيا بقوتها السياسية والعسكرية دورًا مؤثرًا وفاعلًا في صنع السياسة الدولية، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والتكتلات الإقليمية السياسية والاقتصادية الأخرى.
ولقد شكّل صعود "دونالد ترامب" إلى رأس الهرم السياسي الأمريكي تعزيزًا لسطوة وحضور التيار الأمريكي المتصهين والأكثر رجعية وفاشية وعنصرية ومغالاة في العداء للشعوب واحتقاره لها، حيث ساعد الوضع العربي الراهن الذي تعيشه أمتنا العربية وإسقاطاته وتداعياته السلبية، فرصة للإدارة الأمريكية لإعادة إنتاج مشاريعها في المنطقة، والهادفة إلى تفكيك كل عوامل النهوض العربي ومحاولة الانقضاض على الحقوق الوطنية الفلسطينية، مقابل تعزيز قوة الكيان الصهيوني ودعم ممارساته العدوانية ومخططاته التوسعية، ودعم بعض الكيانات العربية الرسمية الرجعية وفتح كل الأبواب للتطبيع العربي مع الكيان الصهيوني.
سعى "ترامب" من جهة لفتح كل نوافذ وأبواب الكون لأشد رياح التطرف والعنصرية والكراهية المشبّعة بممكنات تسجيل الأزمات الإقليمية والدولية والحروب العدوانية، واستنهاض القوى الأصولية الفاشية بمختلف أرجاء الكون وبشكل خاص في أوروبا الرأسمالية والكيان الصهيوني، وتعرية الدور والوجه الحقيقي للولايات المتحدة الذي غلفته مساحيق التجميل في صالونات البيت الأبيض، ومن جهة أخرى فتح آفاق وممكنات النهوض المتسارع للقوى الثورية المناهضة للعولمة الرأسمالية الإمبريالية على الصعيد القومي للبناء على المقدمات الواعدة التي تشكّلت خلال عقود دخول الرأسمالية مرحلة العولمة.
وفي سياق التمهيد لهذه الصفقة، سارعت الإدارة الأمريكية ومعها الكيان الصهيوني إلى محاولة بناء تحالف إقليمي يضم أدوات أمريكا الرجعية في المنطقة والكيان الصهيوني من أجل توجيه ضربة قاضية لمحور المقاومة، بالإضافة لتبنيها محددات الرؤية الصهيونية فيما يخص القضية الفلسطينية، عززتها باتخاذها سلسلة من الإجراءات بدأتها بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة أبدية للكيان الصهيوني، ووقف دعمها لميزانية وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين في إطار محاولاتها لشطب حق العودة، وصولاً إلى تأييدها الكامل للممارسات الصهيونية الإجرامية على الأرض.
وفي قراءتنا لهذا الواقع السوداوي، نرى العديد من الزوايا المضيئة التي لم تستسلم أمام اختلال موازين القوى لصالح العدو، واستطاع بعضها تحقيق الانتصار والبعض الآخر ضرب نماذج ثورية عبرت عن نفسها باستمرار المقاومة وإرباك مخططات العدو وتكبيد مشروعه السياسي خسائر فادحة في لبنان وسوريا وغزة و اليمن والعراق، استطاعت أن تؤكد أن اختلال موازين القوى أو تفوق العدو أو الأنظمة العربية الرجعية، لا يستطيع أن يحول دون إدراك قوى المقاومة التي امتلكت العزيمة والرؤية الواضحة على تحقيق النصر.
وعليه، فإننا مطالبون كقوى شعبية عربية أحزابًا ومنظمات شعبية وأهلية وشخصيات ومفكرين وفي مقدمتها القوى الفلسطينية؛ بضرورة مواجهة هذا المشروع الأمريكي الجديد بالانتقال بالمشروع العربي النهضوي الثوري التحرري من الإطار الدعاوي التبشيري وفي إطار التعامل السلبي والنقد الشكلاني إلى المبادرة، في إطار الفعل والتغيير، والانخراط الحي في صفوف الناس والجماهير، وتوفير الحاضنة الشعبية للمقاومة ودعمها بمختلف المستويات، وهذا يستدعي وضع خطة وبرنامج عمل لدعم محور المقاومة وحمايته سياسيًا، وإطلاق مبادرة شعبية عربية في مواجهة التطبيع العربي والسياسات العربية المهادنة للكيان الصهيوني، والتحلل من عبء اتفاقيات التسوية (كامب ديفيد، أوسلو، وادي عربة) والتي وفرت دائمًا مقدمات للمشاريع الأمريكية التي استهدفت إنهاء مقاومة الشعب الفلسطيني، وتقزيم حقوقه الوطنية، وإضعاف الحالة العربية وتسريع وتيرة التطبيع بمختلف أشكاله.
إن أهم الأسلحة العربية والدولية لمواجهة صفقة القرن يمكن تلخيصها بالمهام التالية:
- رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتحريمه تحت أي شروط ووفق أي ظروف، واعتبار مهمة مقاومة التطبيع مع العدو معيارًا للالتزام بالمشروع القومي التحرري على مستوى الأفراد والجماعات والأحزاب كحدٍ أدنى. وفي هذا السياق نثمن موقف الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد الرافض للتطبيع، ووصفه بالخيانة العظمى.
- العمل على بناء حركة شعبية عربية مناهضة للعولمة الإمبريالية كحركة واسعة ومفتوحة تنسق فاعلياتها مع الحركة الشعبية الدولية للنضال ضد العولمة والحرب الإمبريالية على الشعوب.
- العمل على تعزيز دور المنظمات الشعبية العربية في كافة المنظمات والاتحادات المهنية ومؤتمرات المنظمات الأهلية التنموية لتعزيز الدور الشعبي العالمي والنضال في مواجهة الإمبريالية وسياساتها المعادية للشعوب على المستويات الإقليمية والقارية الدولية.
- إعادة الاعتبار للجنة المقاطعة العربية للكيان الصهيوني والشركات الدولية التي تتعاطى معه في إطار بناء لجنة مركزة جامعة كامتداد للمقاطعة الدولية، وتفعيل عمليات المناهضة العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتوفير البيئة المساعدة لتوسيع نشاطها اليومي، واتخاذ آليات ضغط فاعلة للدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان لسحب سفرائها وطرد السفراء الصهاينة، وتوسيع نطاق المقاطعة لتشمل الشركات الأمريكية ردًا على الدور الأمريكي الشريك للكيان الصهيوني في عدوانه الهمجي على شعبنا بكافة أشكاله.
أما فلسطينيًا، فإن مواجهة أخطار صفقة القرن ومحاولات تمريرها، تتطلب التالي:
- إعادة تجميع ما تم تفكيكه عبر مسار مدريد – أوسلو من مركبات البرنامج الوطني الفلسطيني ومنظومة الحقوق الوطنية الفلسطينية المعبّرة عن مضمونه، وبما يساهم في التقاط وتأطير الوحدة الطبيعية لمكونات شعبنا كافة، أي التعبير المنطقي عن الحقيقة التاريخية لوحدة الأرض والشعب والهوية والمصير.
- النضال الدؤوب في كافة المستويات لحماية الثوابت والمقدسات، وتعزيز المقاومة الشاملة باعتبارهما الرافعة الأساسية لتحقيق أي إنجاز سياسي وطني لشعبنا، والتصدي لمخاطر صفقة القرن.
- النضال من أجل حماية حقنا بالعودة وممارسة كافة الفاعليات والأنشطة الجماهيرية السياسية والقانونية التي تكفل لشعبنا حماية هذا الحق، باعتبار أن أهم أهداف صفقة القرن فلسطينيًا هو الانقضاض على هذا الحق.
- وضع مهمة الخروج من أنفاق اتفاق أوسلو أولوية وطنية، وهذا يستوجب تطبيق القيادة المتنفذة قرارات المجلسين المركزي والوطني بالتحلل من اتفاق أوسلو وسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني.
- مطالبة المجتمع الدولي بأن يتحمل مسئولياته في إلزام الكيان الصهيوني بتطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية.
- تحقيق أعلى درجة من الوحدة الوطنية الفلسطينية تُمكّن شعبنا من درء الأخطار التي تحدق بقضيتنا الوطنية وتهدد بتقزيم ثوابتها وخصوصًا صفقة القرن، وهذا يحتاج لامتلاك كل أدوات الضغط اللازمة الوطنية والشعبية، من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة. وهناك رؤية وطنية قدّمتها القوى الثماني من أجل إنجاز المصالحة، يمكن أن تُشكّل أساسًا صالحًا لإعادة المصالحة إلى مسارها الطبيعي.
أما بخصوص أزمة الانتخابات الأخيرة، فيمكن تكثيفها بالتالي:
شكّلت دعوة الرئيس أبو مازن من على منبر الأمم المتحدة لإجراء انتخابات عامة خلطًا للأوراق في الساحة الفلسطينية، خصوصًا بعد تزامنها مع إطلاق ثماني قوى رؤية وطنية لتحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام، وبمعزل عن الموقف العام من أهمية إجراء الانتخابات الشاملة، فإن السياق الطبيعي والمنطقي لإجراء هذه الانتخابات يجب أن تتم في إطار تنفيذ اتفاقات المصالحة، وتوفير مناخات التوافق الوطني، وإذا كانت هذه الدعوة ملتزمة مع هذا السياق فمن الطبيعي أن نكون من أشد المتحمسين لإجرائها، فكل المؤسسات الوطنية مخدوشة الشرعية وبحاجة إلى عملية تجديد نوعي، بهذا المعنى تُشكّل الانتخابات المدخل الحقيقي الوطني والواقعي لإنهاء الانقسام، باعتبار إنجاز المصالحة هي الحلقة المركزية لتعبئة قوى الشعب من أجل مواجهة التحديات التي تطرحها صفقة القرن، أو "صفقة العصر" كما تراها أمريكا ودولة الاحتلال.
لكن هذه الدعوة لا زالت غامضة، وإن اِدعت بأنها ستُشّكل المدخل الحقيقي لإنهاء الانقسام دون الحديث عن المصالحة، وكأن إنهاء هذا الملف الأسود ممكنًا بدون مصالحة وتنفيذ ملفاتها واتفاقاتها.
فالعديد من الأسئلة تطفو على السطح، يكثفها سؤال مركزي واحد وهو: في أي سياق تأتي هذه الدعوة؟ هل تأتي في سياق استئناف تنفيذ اتفاقات المصالحة؟ وهي بهذا المعنى تأتي تنفيذًا منطقيًا لإنجازها وطي ملف الانقسام، وإذا صدقت النوايا لماذا تُختزل المصالحة وعملية إنهاء الانقسام في عنوان الانتخابات؟ وهل حقاً ستُشّكل هذه الانتخابات مدخلًا لإنهاء الانقسام؟ سؤال آخر: إذا كان الهدف من هذه الانتخابات إنهاء الانقسام، فلماذا لا نسلك الطريق المنطقي لاستئناف عملية إنجاز المصالحة التي لا يوجد أي سبب أو عذر لتوقفها؟
فنحن لا نتحدث عن "جزر الهاواي أو بلاد الواك واك" بل عن فلسطين بكل التعقيدات والتناقضات التي تحتضنها الأزمة السياسية العميقة التي يعيشها الوضع السياسي والوطني فيها، وهل هذا موقف مسئول بأن يجري إعلان هذه الدعوة في الوقت الذي تقدمت فيه ثماني فصائل وطنية برؤية لإعادة الحياة لعملية إنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام والتي باركتها حركة حماس بمعزل عن دوافعها؟! فالمنطق الوطني يقتضي أن يجري الرد الرسمي على هذه الرؤية، من أجل الحل والربط لهذه المسألة أو على الأقل أن تُطرح في إطارها الصحيح الذي يمكن من خلالها إنجاح هذه الرؤية، وليس في الأمم المتحدة وكأن القرار يملك الرئيس وحده حق اتخاذه؟
ومن وحي واقعنا المؤسف يمكن استحضار العديد من الدعوات للانتخابات، ففي عام 2006 تمت الدعوة لانتخابات مبكرة لإسقاط سلطة حماس، وأخرى دعوات عامة في إطار تكتيكات إدارة الانقسام.
ونستحضر في الذاكرة دعوة السلطة إلى إجراء الانتخابات المحلية عام 2017 التي رحبت فيها كل القوى بما في ذلك حركة حماس، الأمر الذي لم تتوقعه قيادة السلطة والكل يعرف ما جرى لهذه الدعوة، التي وضعت العصي في دواليب عجلتها لتأخذ المحكمة الدستورية قرارًا بإجرائها بالضفة دون القطاع، أو إجرائها على مراحل لتختزل في إجرائها بالضفة دون القطاع.
ولأننا ما زلنا أمام إعلان غير مكتمل أو واضح فإن العديد من الأسئلة المرتبطة بالسؤال المركزي تحتاج إلى إجابات، هل المقصود إجراء انتخابات شاملة ومتزامنة لكل من الرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني؟ فإذا كان الأمر كذلك فإن الأمر يستدعي الدعوة لحوار وطني شامل على أعلى المستويات في إطار الإطار القيادي المؤقت لـ(م.ت.ف) لمناقشة العديد من المسائل لاستكمال الاطار القانوني لإجراء الانتخابات وهي:
- تعديل ما تم التوافق عليه وطنيًا بشأن النظام الانتخابي الذي ستجري على أساسه انتخابات المجلس التشريعي في إطار التوقيع على الوثيقة المصرية أو الالتزام بما تم التوافق عليه، أي 75% للقائمة النسبية و25% لنظام الدوائر، مع أننا نفضل نظام التمثيل النسبي الكامل أي 100% لنظام القوائم.
- استكمال إقرار النظام الانتخابي للمجلس الوطني والتوافق عليه في الإطار القيادي المؤقت.
- البت فيما إذا كانت انتخابات المجلس الوطني في الداخل منفصلة أو جزء من الانتخابات التشريعية، بمعنى أن يُشكّل المجلس التشريعي تلقائياً قوائم الداخل في عضوية المجلس الوطني، وهذه المسألة ظلت معلقة ولم يتفق عليها.
- اتخاذ القرار باستكمال انتخابات المجلس الوطني، ووضع آلياته حيثما أمكن حتى لا يصبح مصير هذه المسألة كمصيرها بعد الانتخابات التشريعية عام 2006.
قبل كل ذلك، فإن التوافق الوطني يستدعي عقد الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، إذا كانت الدعوة جدية لإجراء هذه الانتخابات، وبالتالي فإن لا شيء يمكن أن يمنع تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، تتولى ترجمة خطوات أو خطوط التوافق الوطني بما في ذلك الانتخابات لتُشّكل رزمة من عملية إنجاز المصالحة وليست بديلًا لها.
هذه التساؤلات تمت الإجابة على بعضها جزئيًا من قبل هذا المتحدث بلسان السلطة أو ذاك، فالقرار لم يبت بعد فيما إذا كانت هذه الانتخابات ستكون شاملة للمستويات الثلاث أو انتخابات للمجلس التشريعي فقط، أو يتلوها الانتخابات الرئاسية والعكس؟ مما يعني تجاوز نص القانون الأساسي للسلطة والقانون الانتخابي لمؤسساتها، التي حددت بوضوح ضرورة التزامن بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لكن الأهم من كل ذلك الأساس السياسي الذي ستستند إليه الانتخابات، بمعنى هل ستُشّكل الانتخابات التشريعية تجسيدًا للمرحلة الانتقالية وسلطة الحكم الذاتي مع أننا من المفروض أن نتعامل مع هذه المؤسسة كأدوات للدولة الفلسطينية بعد انتزاع الاعتراف الدولي بها؟ أم أنها ستكون بمثابة انتخابات برلمانية للدولة الفلسطينية، وبالتالي تنفيذ قرارات المجالس المركزية الأخيرة التي نصت على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية واتفاق أوسلو وفك الارتباط معها، لتصبح الدعوة للانتخابات معركة سياسية وجزء من آلية وطنية للنضال من أجل انهاء الاحتلال بمعزل عن موافقة الاحتلال أو رفضه؟
المسألة الأخيرة، والتي تتعلق بالحديث عن أن الرئيس سيقوم بحوار مع كل القوى السياسية بشأن هذه الدعوة، هنا نطرح سؤال منطقي: أليس الأفضل للرئيس والأقل جهدًا له في الدعوة لحوار وطني شامل تحت أي مسمى ليس فقط للتوافق حول إجراء الانتخابات، بل وأيضًا وضعها في سياق تحقيق المصالحة وإنهاء عملية الانقسام؟
وعليه، وتأكيدًا على ما سبق فبين أيدينا رؤية يمكن النقاش حولها وهذا لا يعني إقفال أبواب الحوار أو اللقاء مع فتح لنقاش هذه المسألة ووضعها إلى جانب رؤية القوى الثمانية على جدول الأعمال.
وهذا ما يجب أن يجعل عمل ونشاط كل المخلصين من أبناء شعبنا حتى اللحظة منصبًا باستمرار للترويج للرؤية وتوسيع مساحة العمل من خلالها بانضمام قوى وشخصيات إليها. أما بشأن الانتخابات فيمكن الترحيب بإجرائها في إطار عملية التوافق الوطني، وكجزء من إنجاز عملية المصالحة وإنهاء الانقسام وليس بديلًا لها.
مع التنويه أن الموقف من هذه الدعوة لا يمكن حصره بالموافقة بشرط التوافق الوطني، بل بالإعلان عن رفضها والنضال من أجل وقفها إذا خرجت عن سياق اتفاقات المصالحة وآليات تحقيقها، وبالحد الأدنى إذا كانت خارج إطار التوافق الوطني بالمعنى الواسع، وبالتالي لا يمكن استبعاد أن يكون الهدف من إعلان الانتخابات هو اختراق الإجماع الوطني، وضرب التوافق الوطني الواسع التواق إلى إنهاء الانقسام انطلاقًا من هذه الرؤية.
يجب التنويه إلى مسألة هامة وهي أن الانتخابات لا تُشكل سوى مسألة نضالية قياسًا بالتحديات المطروحة والمستحقة على شعبنا لمواجهة التحديات التي تطرحها صفقة القرن، وفي مقدمتها التوافق على استراتيجية نضالية موحدة تبدأ بالترجمة الفعلية لقرارات المجلس المركزي والوطني والدعوات التي أعلنها الرئيس والتي لا زالت في إطار التلويح بما يشي بعدم وجود نوايا جدية لتنفيذها.
وفي الختام، مرة أخرى نؤكد على أن الخروج من دائرة الإرباك والمراوحة والمراهنة على أوهام تحييد أمريكا أو كسبها إلى جانب نضال شعبنا قد أكدت الوقائع أنه من غير الممكن بدون الاحتكام إلى المراجعة النقدية الجريئة لمسيرة شعبنا السياسية، والعمل على إعادة بنائها على قاعدة الثقة بقدرة جماهيرنا والطاقات التي تمتلكها على مواجهة صفقة القرن ودحر العدوان وتحقيق النصر، ونحن على ثقة بقدرة الكل الوطني على إنجاز هذه المهمة، مسلحين بالإجماع الوطني على رفض صفقة القرن وضرورات تحقيق الوحدة الوطنية الديمقراطية، وإعادة بناء أدواتها الكفاحية القيادية وعلى رأسها (م.ت.ف) على أساس الشراكة السياسية الوطنية الديمقراطية لتمتين نسيجنا الوطني، وإعادة الاعتبار لأولوية ومركزية التناقض الرئيسي مع الاحتلال.