فلسطين أون لاين

​خلافات القاهرة مع السلطة في رام الله تفضحها حادثة الرجوب

...
صورة أرشيفية
القاهرة / محافظات - رنا الشرافي / يحيى اليعقوبي / وكالات

كشف منع السلطات المصرية، دخول جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح"، لأراضيها مساء الأحد الماضي، عن خلافات غير معلنة بين القاهرة ورام الله.

يأتي هذا المنع في الوقت الذي تفتح فيه مصر الباب على مصراعيه أمام القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان وأنصاره، والذين هم على خلاف حاد منذ سنوات مع زعيم حركة فتح ورئيس السلطة محمود عباس.

وبحسب مراقبين فإن الخلافات بدأت، بسبب دعم مصر لدحلان، الخصم السياسي لعباس، وزادت نتيجة رفض الأخير تأجيل عقد المؤتمر السابع لحركة فتح، والذي أقصى مؤخرا دحلان وأنصاره من صفوف الحركة.

وبلغ التوتر ذروته، بعد سحب مصر، مشروع قرار كانت قدمته أواخر العام الماضي لمجلس الأمن الدولي حول الاستيطان، تحت ضغط إسرائيلي عبر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب قبل توليه مهامه في البيت الأبيض، نهاية العام الماضي، مما دفع كل من نيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا والسنغال، لتقديم مشروع بديل، بناء على طلب وإلحاح عباس، وهو ما أوقع مصر في حرج بالغ، وكشف عن تباينات بين الجانبين.

رد الاعتبار

ويرى الباحث والمحلل السياسي عماد محسن، أن الدولة المصرية "تثأر لكرامتها ولموقفها التصالحي عندما رفعت خارطة طريق متكاملة للقيادة الفلسطينية في أيلول/سبتمبر الماضي، وخاطبتها بلغة الأخ الكبير بضرورة انهاء الخلاف الفتحاوي–الفتحاوي، ثم إنهاء الانقسام الوطني الفلسطيني، ثم عودة الوحدة الترابية للأراضي الفلسطينية ومن ثم الذهاب بالملف الفلسطيني في المحافل الدولية بحثًا عن أفق سياسي".

وذكر محسن لـ"فلسطين"، "أن القيادة الفلسطينية أدارت ظهرها لمصر وحذرت من تدخل بعض العواصم في الشأن الفلسطيني فيما ذهبت تجري لعواصم أخرى"، مشيرًا إلى أن قوى إقليمية قيل إنها تدخلت حتى يكون محمود العالول نائبًا لرئيس الحركة وليس مروان البرغوثي"، خلال الانتخابات الأخيرة للحركة.

وتابع أنه عندما أتى دور مصر لإبداء الرأي قالت السلطة "لا للعواصم العربية وتدخلها في الشؤون الفلسطينية ونعم للقرار الوطني المستقل"، وعد ذلك "تناقضًا في العملية السياسية، مؤذي للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني خصوصا في قطاع غزة".

ورأى محسن أن مصر اليوم تقول بشكل واضح أنها حددت موقفها من الخلافات الفلسطينية وحددت الجهة التي تتعثر على يدها مصالحة فتح والشعب الفلسطيني، متوقعًا أن يشهد المستقبل القريب المزيد من الخطوات المصرية، مثل انفتاحًا على غزة من جهة، وانفتاحًا على القوى السياسية والقوى الوطنية الأخرى غير المسار الرسمي الذي يدير ظهره لمصر.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي عادل سمارة، أن مصر منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات وهي تلعب دور المشرف على الملف الفلسطيني، وأنها تتعامل وفق سياستها الخاصة فتارة تظهر تفاهما مع حركة حماس وتارة تظهر تأييدًا لتيار محمد دحلان، وتارة أخرى تظهر دعمها لتيار السلطة المتمثل بشخص الرئيس محمود عباس.

وقال في حديث لصحيفة "فلسطين": "المشكلة بالأساس أن هناك أنظمة عربية تتلاعب بالملف الفلسطيني من باب السباق على فرض التوازنات في المنطقة ومن بين هذه الأنظمة، النظام المصري"، وفق تقديره.

ولم يستبعد أن تكون السلطات المصرية منعت الرجوب من دخول أراضيها بهدف توجيه ضربة أو رد صفعة للسلطة الفلسطينية التي رفضت وساطتها لحل الخلاف الموجود بين الرئيس محمود عباس وبين محمد دحلان.

وأشار إلى أن التحركات الأخيرة لدحلان على الأراضي المصرية تشير إلى أن أبواب مصر مفتوحة أمامه، كما هي مفتوحة أمامه في الإمارات، وقال: "لكن السؤال الرئيسي هو ما الخلاف الرئيسي بين عباس ودحلان إذا كان الاثنين من حركة فتح وكلاهما مع التسوية ويدعمان أوسلو، فعلى ماذا يختلفون؟".

وتابع:" إذا نستنتج أن الخلاف يبن الشخصيتين ليس على مواقف سياسية وإنما شخصية، وهذا الوضع يسمح لمصر أن تتحرك كما تريد"، مستبعداً أن يكون ما يجري بعيدًا عن ترتيبات الإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي.

خصومة تاريخية

بدوره، أرجع أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، منع دخول الرجوب للأراضي المصرية إلى علاقة "الخصومة" التاريخية بين الرجوب و"محمد دحلان"، الذي تدعمه مصر.

وأضاف لوكالة الأناضول: "يبدو أن لدى مصر تقديرات أن الرجوب من الشخصيات التي وقفت سدا منيعا أمام مساعيها في عودة (دحلان) للمشهد السياسي الفلسطيني، أو أن يشكل كيانا موازيا لفتح".

لكن الشوبكي استبعد أن ينعكس القرار على العلاقات بين القاهرة ورام الله، بحكم الجغرافيا، والعلاقة الاستراتيجية بين البلدين.

وفي حديثه للأناضول، اتفق سليمان بشارات، الباحث في مركز الدراسات المعاصرة، مع الشوبكي، بأن مصر ترى في "الرجوب" شخصية فتحاوية وقفت سدا أمام محاولتها عودة دحلان لصفوف الحركة.

وقال بشارات، إن هناك محددات لعلاقة مصر بالسلطة الفلسطينية، على رأسها الدور المصري في العملية السلمية بالمنطقة، وهذا يتطلب منها الابقاء على خيوط في العلاقة مهما بلغت حالة الأزمة بينها وبين أقطاب السلطة الفلسطينية.

وأضاف إن مصر من خلال منع دخول الرجوب لأراضيها"، توصل رسائلها الرافضة لمواقف معينة اتخذتها السلطة سواء فيما يخص الرباعية العربية ومحاولتها انهاء الخلاف الفتحاوي الداخلي، أو المواقف التي تتعلق بقضايا أخرى.

ومضى:" هذا المنع يحمل رسائل سياسية أكثر منها تخص شخص الرجوب، أول هذه الرسائل أن أبواب مصر قد تغلق أمام قيادات السلطة في حال لم تتجاوب مع الرؤية التي تعبر عنها القاهرة تجاه العديد من القضايا سواء ما يخص الرباعية العربية، أو حتى ما يتعلق بتطورات العملية السياسية السلمية بالمنطقة والدور الذي تقوم به القاهرة".

أما الرسالة الثانية، بحسب بشارات، هي محاولة الضغط باتجاه تليين المواقف التي اتخذتها السلطة الفلسطينية في الفترة الأخيرة، وتغيير لهجة خطابها فيما يخص رفضها التدخل بالشأن الداخلي، أو حتى المصالحة ما بين دحلان وعباس.

موقف شخصي

بدوره قال أستاذ الاعلام في جامعة القدس، أحمد رفيق عوض، إن توتر العلاقة مع مصر سينعكس سلبا على عملية التسوية السياسية، والمصالحة الفلسطينية.

وأَضاف:" الموقف المصري ثابت من القضية الفلسطينية لم يتغير رغم وجود شد وجذب في السنوات الأخيرة، والسلطة الفلسطينية ترى في مصر حجر تستند عليه".

وعن منع دخول الرجوب قال:" أعتقد انه موقف شخصي من الرجوب، وليس من حركة فتح أو السلطة الفلسطينية، ونتوقع أن يكون هناك توضيح مصري قريب لذلك".

كذلك اعتبر المحلل السياسي جهاد حرب، أن منع الرجوب، من دخول الأراضي المصرية، يأتي ضمن "سياق استثنائي" ولا يندرج ضمن السياسة العامة للقاهرة.

واستبعد حرب خلال حديث مع "قدس برس"، دخول دولة كمصر في معركة مع حركة "فتح"، أو حتى اتخاذ إجراءات ضدها، أو تغيير سياستها ضد الفلسطينيين خلال المرحلة المقبلة.

يأتي ذلك، في الوقت الذي وصف فيه عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، تيسير نصر الله، الخطوة المصرية بـ "الموقف المستهجن والمرفوض ولا مبرر له".

وقال القيادي نصر الله، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ما حصل هو تصعيد خطير، ولا يستهدف اللواء الرجوب فقط وإنما يستهدف كل أبناء حركة "فتح" وقياداتها، ويؤثر سلبا على العلاقة بين البلدين الشقيقين".

بدوره، قال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري حمدي بخيت، إن السلطات المصرية لها الحق في أن تستقبل أو ترفض من تشاء بناءً على قراءة واضحة".

وأضاف بخيت وهو لواء متقاعد لصحيفة "فلسطين": أنه "في كل مرة هناك شخصية من السلطة الفلسطينية تفسد الجهود المصرية في رؤيتها وتصورها للقضية الفلسطينية تؤدي لعودة الأمور لمربع الصفر من جديد".

إلى ذلك، رأى الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية اللواء المتقاعد طلعت مسلم أن المشكلة بين مصر والسلطة ليست مشكلة أفراد.

وقال مسلم لصحيفة "فلسطين": "مصر لديها تصور ما حول كيفية التحرك على صعيد القضية الفلسطينية، والخلاف يتمحور حول ما تتصوره القاهرة".

وتوقع أن تحاول مصر اقناع السلطة بالأسباب التي أدت إلى منع الرجوب من دخول أراضيها، وأن السلطة ستحاول إقناع مصر أن الإجراء غير مبرر.

فيما أكد بخيت أن مستقبل العلاقة بين مصر والسلطة الفلسطينية يتوقف على الأخيرة، وأن البعد الأمني والسياسي يجب أن يبنى على قيم محددة، مضيفا أن التزام بلاده مرتبط بالقضية الفلسطينية وليس بأشخاص.

وحول إن كانت هناك انفراجة قريبة مع غزة، رأى بخيت أن تحسن الأمور في الملف الأمني في سيناء قد يقود إلى بارقة أمل تؤدي إلى تحسن العلاقة في ملفات أخرى.