فلسطين أون لاين

​دلالات الاتفاق على إنشاء لجنة اقتصادية سعودية فلسطينية

من الأهمية بمكان توطيد العلاقات بصور وأشكال شتى بين البلاد العربية وغير العربية، فرغم ما ترتبط به الدول العربية من قواسم مشتركة من حيث اللغة والدين والثقافة والتاريخ والجوار لا تزال العلاقات العربية البينية ضعيفة، آخذين في الحسبان حرص الجامعة العربية على مأسسة هذه العلاقات بصور شتى، كالتجارة الحرة متمثلة في "منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى"، و"السوق العربية المشتركة"، سعيًا إلى "الوحدة الاقتصادية العربية"، وكذلك الأمر على المستوى الدولي من طريق منظمة التجارة العالمية.

وإن فلسطين في أمس الحاجة للمبادرة بتوطيد هذه الروابط والوصول بها إلى أعلى المستويات التي يمكن الوصول إليها، خاصة أن السلطة ارتبطت بـ(إسرائيل) بروابط مجحفة، عبر بروتوكول باريس الاقتصادي لعام 1994م، وترتب على ذلك نشأة تبعية كبيرة للاقتصاد الاسرائيلي أضرت ضررا بالغا بالاقتصاد الفلسطيني.

إن الاتفاق الذي توصل إليه بين السعودية والفلسطينيين بخصوص إنشاء لجنة اقتصادية مشتركة ومجلس أعمال سعودي فلسطيني، ووقع بالرياض في 17/10/2019م؛ له دلالات بالغة على طريق توسيع هذه العلاقات التي لا تزال محدودة جدًّا على مستوى التبادل التجاري، إذ إن هناك فرصًا واعدة نحو زيادة حجم هذا التبادل بما يتاح لكلا الطرفين من منتجات تلقى إقبالًا من المستهلكين، وهو ما يمكن تحقيقه بعرض قوائم السلع القابلة للتصدير في كلا البلدين، ومعرفة احتياجات كل طرف منها، مع الالتزام بقواعد المنافسة الحرة التي تتيح تبادل السلع التي تتوافر لها أعلى مستويات الجودة والأسعار الملائمة.

مع مراعاة أن العلاقة التي تربط بين السعودية وفلسطين ليست جديدة؛ فهي راسخة منذ العصر الجاهلي، وفي العصر الإسلامي، وهي التي تحدث عنها القرآن الكريم بشأن رحلة الشتاء والصيف، هذا بجانب الروابط الروحية بين المسجدين الحرام والأقصى في رحلة الإسراء والمعراج، وغيرها، وامتدت بدرجات متباينة من حين إلى آخر.

إن قوافل الحجاج والمعتمرين من الفلسطينيين نحو مكة المكرمة والمدينة المنورة لا تتوقف على مدار العام، وهناك أعداد كبيرة من العمالة الفلسطينية التي تزايدت حاجة السعودية إليها عبر عشرات السنين، خاصة بعد اكتشاف النفط الخام في السعودية منذ الأربعينيات، وحاجتها إلى فنيين وخبراء وعمالة ماهرة في مختلف الأصعدة، إضافة إلى البعثات التعليمية التي حرصت السعودية على استقدامها من عدد من البلاد العربية، ومنها فلسطين، وخاصة قطاع غزة.

إن تشكيل لجنة اقتصادية على أعلى المستويات بين السعودية وفلسطين يعني حرص البلدين على تزويد هذه اللجنة بصلاحيات كبيرة تفتح آفاقًا واسعة في التبادل، وعليه ينتظر أن تتشكل في البلدين خلال المدة الراهنة الأطقم المتخصصة التي تستعد لأن تجعل اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين تأخذ طريقها نحو التنفيذ بهمة عالية واقتدار كبير.

وعليه إن إمكانية تزويد السعودية بالأيدي العاملة الفلسطينية تبقى من الاحتياجات المهمة وذات الأولوية، وتعود بالنفع الكبير على البلدين، فالسعودية لا تزال تستعين بأعداد كبيرة من المشتغلين الوافدين، خاصة الآسيويين منهم، ولدى الفلسطينيين فوائض كبيرة من القوى البشرية المهنية في كل التخصصات، والمأمول أن يلقى هذا المجال اهتمام اللجنة المشتركة وأن يكون في مقدمة أطروحاتها، وقد تكون المشتقات النفطية محل اهتمام البلدين، خاصة أن السعودية تمتلك احتياطات ضخمة من النفط الخام مقابل أن الفلسطينيين ما زالوا يعتمدون على المشتقات النفطية والطاقة الكهربية الإسرائيلية اعتمادًا رئيسًا.

إن فرص تطوير التعاون التجاري تبقى واعدة في مجالات عديدة، ويبقى إقامة هذه العلاقات على أسس مدروسة تراعي مصلحة الطرفين، وتأخذ على عاتقها قدرة الجانبين على تذليل الصعوبات التي تشكل تحديات كبيرة في مواجهة العراقيل والعقبات الإسرائيلية.