تستورد السلطة الفلسطينية من إسرائيل 120 ألف رأس بقر سنويًّا، ما يعادل 10 آلاف رأس بقر شهريًّا، وهذه الأبقار تشكل نسبة 60% من استهلاك الفلسطينيين، وفي المقابل، تستورد إسرائيل من السلطة الفلسطينية 280 طنًّا من الخضراوات يوميًّا.
البقر التي تدخل إلى السلطة الفلسطينية عن طريق إسرائيل، تنتج منها المزارع الإسرائيلية نسبة 10% فقط، في حين يستورد التجار الإسرائيليون من الخارج نسبة 90% من البقر المورد للسلطة الفلسطينية، وما يعنيه ذلك من ترك الاختيار للنوع والجودة للتاجر الإسرائيلي الذي يحدد نسبة الربح كما يشاء، يضاف إليها نسبة الضرائب الإسرائيلية والجمارك والنقل والعمل وتحديد سعر كيلو اللحم وفق الأسعار العالمية، في حين ينتج مزارعو الضفة الغربية كل كمية الخضراوات الموردة للإسرائيليين، ويتم شراؤها وفق السوق الإسرائيلية، بعيدًا عن سعر المنتج وفق الأسواق العالمية.
معادلة التبادل التجاري السابقة تصب في صالح الإسرائيليين سواء أكانوا تجارًا أم مستهلكين، لذلك هدد الجنرال كميل أبو ركن المسؤول عن المناطق الفلسطينية لدى الحكومة الإسرائيلية، هدد بوقف استيراد الخضراوات من السلطة الفلسطينية إذا أوقفت السلطة الفلسطينية استيراد البقر عن طريق التجار الإسرائيليين.
إنها حرب البقر التي يخوض غمارها رئيس الوزراء دكتور اشتية، وهي حرب اقتصادية صغيرة جدًّا، تطال جزءًا صغيرًا جدًّا من العلاقة الاقتصادية غير المتوازنة التي فرضتها اتفاقية باريس الاقتصادية، هذه الحرب الصغيرة أحداثها، والكبيرة في التأثير تسعى لفرض حقائق جديدة على الأرض، تجاهلها المسؤولون الفلسطينيون على مدار 25 عامًا، وكان جميعهم يعرف حجم الاستفادة الإسرائيلية من العلاقة الاقتصادية مع السلطة الفلسطينية.
25 عامًا والاقتصاد الإسرائيلي يتربح من الاقتصاد الفلسطيني، 25 عامًا على اتفاقية مر عليها عشرات الوزراء، والعديد من رؤساء الوزراء، ووكلاء الوزارة، والمديرون العامون، ولم يفتح أيهم فاه ضد هذا الاستغلال والتربح والاستفادة الإسرائيلية، حتى جاء دكتور اشتية، واتخذ القرار، ليتعرض للهجوم من اتجاهين، الأول من الجنرال الإسرائيلي كميل أبو ركن، والثاني من الجنرالات الفلسطينيين ماجد فرج وحسين الشيخ، وربما يوجد الكثير غيرهم ممن يقفون ضد حرب البقر، ويطالبون بالاستمرار في استيراد الأبقار عن طريق التجار الإسرائيليين.
حرب البقر حرب ضيقة المساحة، ومع ذلك وضعت رئيس الوزراء في مواجهة داخلية وخارجية، حتى وصل الأمر إلى تهديده بالاستقالة، فقد أدرك أن أعداء فك الارتباط مع الإسرائيليين أكثر مما يظن، وأعداء مواجهة الإسرائيليين كثر، بعضهم ينتفع، وبعضهم يرتبط بمستقبله ببقاء الاحتلال، وبعضهم لا يتمنى للشعب الفلسطيني النجاح في مواجهة الاحتلال، وبعضهم باع ضميره، وبعضهم له نسبة من الأرباح، وبعضهم رهن بطاقة VIP بمستوى الخدمة التي يقدمها للاحتلال.
حرب البقر التي لم ينجل غبارها بعد، لها علاقة بحرب الباقورة والغمر، الأرض التي استأجرتها إسرائيل من الأردن وفق اتفاقية وادي عربة، وترفض التخلي عنها، وحين طالبت الأردن باسترداد الأرض بعد 25 عامًا، هددت إسرائيل بقطع المياه عن الأردن، وكل ذلك ضمن الاتفاقيات، التي تم توقيعها مع الإسرائيليين، والتي مكنتهم من المنطقة، وأثبتت أن الإسرائيلي لا يوقع على اتفاقية إلا إذا كانت تخدم أطماعه الاستراتيجية، وتحقق أهدافه بعيدة المدى.
حرب البقر تحتاج إلى سلاح، والوحدة الوطنية أقوى أسلحة الشعب الفلسطيني، ولا وحدة وطنية دون شراكة في القرار السياسي، ولا شراكة دون التوافق على برنامج سياسي له قرنان يناطح بهما الأطماع الإسرائيلية، لا يعادي المقاومة، ولا يعاند الواقع.