اعترف نتنياهو أن (إسرائيل) أمام تحديات كبيرة وخطيرة، وحصر هذه التحديات في حرب الصواريخ التي تديرها إيران في المنطقة، والهجوم التركي على الأكراد في شمال سوريا، والانسحاب الأمريكي من سوريا، وهذه التحديات الثلاثة تفتح الباب أمام توازنات جديدة تحتاج إلى حذر إسرائيلي شديد، وخطة عمل إستراتيجية جديدة.
وكي يؤكد نتنياهو خطورة المرحلة، والمأزق العام الذي تمر به (إسرائيل)، وأن حديثه لا يدخل ضمن المناورات الانتخابية الهادفة إلى تشكيل الحكومة، ناشد المعترضين والمنتقدين له لأن يناقشوا هذه القضايا مع قادة الأجهزة الأمنية في (إسرائيل)، ليتأكدوا بأنفسهم، وليستمعوا منهم إلى الحقائق القاسية، وإلى المعلومات الموثوقة عن المتغيرات الإستراتيجية التي لا تصب في صالح دولة الكيان.
تصريحات نتنياهو الخطيرة والمفرحة في آن يجب ألا تظل مطوية التأثير، وموجهة إلى المجتمع الإسرائيلي، وإلى الأحزاب الإسرائيلية كي تلتقي تحت ظلال حكومة طوارئ أمنية. تصريحات نتنياهو مهمة للمجتمع العربي عامة، وللشعب الفلسطيني خاصة، ومفادها يؤكد أن القوى الإسلامية الصاعدة في المنطقة لم تعد تشكل جزءاً مهماً ومؤثراً في المشهد السياسي في المنطقة، بل أضحت هي القلم الذي يخط معالم المنطقة الديمغرافي، ويحدد المسارات السياسية للسنوات القادمة، وهذا هو القلق الأكبر على مستقبل دولة قامت رغم أنف شعوب المنطقة، وهذا هو مصدر الفرح للشعب العربي الذي بدأ يتطلع إلى مستقبله خارج حدود الدول العربية التي تسير عكس التيار، وتندفع بسرعة الخطأ في اتجاه التطبيع مع دولة الكيان، وتعزيز بقائه من خلال توثيق العلاقات الأمنية والاقتصادية مع دولة فقدت القدرة على حماية نفسها.
تصريحات نتنياهو الفزعة والمرتعبة تؤكد للفلسطينيين أن المتغيرات الإستراتيجية التي كانت تبدو مستحيلة قبل عشر سنوات قد غدت ممكنة اليوم، وأن الدولة التي أملت شروطها وأطماعها على الأرض الفلسطينية قد أمست تلتفت حولها، وترتعب من المحيط الرافض لاستقرارها وبقائها، وهذا بحد ذاته يشكل حافزاً للفلسطينيين لإعادة صياغة مواقفهم السياسية على ضوء المتغيرات العنيدة، لا وفق التقديرات التي تعودت على الخوف والفزع، التي حشرت موائد الصراع الإقليمي في فنجان قهوة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، الفنجان الذي لم يتسع إلا لرشفة أرض ذابت بين شفتي مستوطن يهودي استولى على كل أدوات التفوق والتميز والأمن والازدهار، وترك للفلسطيني بقايا سلطة بلا قرار.
الشعب الفلسطيني أمام وحدة وطنية إجبارية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين حركة فتح وبقية التنظيمات الفلسطينية التي قدمت رؤيتها لإنهاء الانقسام، ودون هذه الوحدة الوطنية، ودون التفكير بالطريقة الإسرائيلية نفسها، الباحثة عن تشكيل حكومة طوارئ أمنية، فإن الغياب الفلسطيني عن المشهد السياسي العام هو الأرجح، ولا سيما بعد رفض نتنياهو صفقة القرن، واقتراحه على خصومه السياسيين العمل معاً على وضع خطة مشتركة للرد الإسرائيلي على خطة الرئيس الأمريكي للتسوية المعروفة باسم صفقة القرن!
فهل يدرك الفلسطينيون أنفسهم في ضوء المتغيرات الإستراتيجية التي ترسم معالم القرن أم سيظل القرار الفلسطيني أسيراً في انتظار صفقة قرن معدة وفق المزاج الإسرائيلي؟